يا علماء الدين يا ملح البلد…

يا علماء الدين يا ملح البلد…

لا أدري ماذا جرى لمنابر الجمعة في البحرين، هل يذهب الناس لصلاة الجمعة أم يذهبون لغايات أخرى غير الصلاة؟ وهل ما يقال على منابر الجمعة خطب أم غسيل مخ وتحريض للمصلين ودعوات للعنف والخروج على القانون والنظام؟ هل الناس في بلادنا يذهبون للصلاة أم يذهبون إلى اجتماع تنظيمي في هذه الجمعية أم تلك؟
ما يحدث في صلاة الجمعة حاليا شيء لم يسبق له مثيل في تاريخ البحرين، فالخطيب يتصرف ويتكلم كأنه رئيس حزب سياسي أو كمرشح يسعى للحصول على مقعد في البرلمان، وبالتالي لابد أن يلهب مشاعر الناس بالحق وبالباطل ويخترع لهم أعداء ومظالم.
أخطر شيء هو السيطرة على الجماهير وتحريكها باسم الدين لأن القداسة التي يتمتع بها رجل الدين في مجتمعاتنا تمكنه من التحكم في عقول الناس وتفكيرهم وتحريكهم في الاتجاه الذي يرغبه الشيخ.
على مدى التاريخ العربي والإسلامي كان لرجال الدين الوطنيين دور كبير في مقاومة الاحتلال عن طريق حشد المقاومين وتربيتهم على حب الوطن وزرع روح الفداء في نفوسهم على اعتبار أن الدفاع عن الوطن فرض على كل مسلم.
ولم يكن أبدا لرجال الدين دور في شق الصفوف ونشر الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، بل على العكس فقد كان لرجال الدين الأوفياء لوطنهم دوما دور كبير في إخماد نار الفتنة والعمل على تجاوز الأزمات عن طريق تهدئة الثائرين وتأجيل أي مطالب حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، لأن درء الفتنة مقدم على ما سواه من مطالب.
ما يحدث في البحرين هو العكس تماما، فرجل الدين يستطيع أن يمحو جهود غيره من أفراد وجهات تسعى إلى توحيد الصفوف ونزع العنف من نفوس الشباب.
هناك مثل يقول: ما تجمعه النملة في عام كامل يضيعه الجمل بضربة واحدة من خفه. هذا المثل يصدق على ما يمارسه رجال الدين من تأثير على عقول الناس، فلو بعث الإعلام ألف رسالة ورسالة وقدم الدروس والعظات في حب الوطن، فإن رجل دين واحد يمكنه إبطال كل هذا بجملة أو جملتين، لأن رجل الدين له قداسة معينة ومكانة عند الناس أكثر من الكاتب والمدرس.
الشيخ عيسى قاسم يقوم بذلك تقريبا، فمهما حاولت الدولة البحرينية وحاول الإعلام البحريني معالجة الجرح وإزالة آثار ما حدث، تأتي جملة واحدة من سماحة الشيخ لتشعل براكين من الغضب في قلوب الشباب وتمحو من نفسه كل رغبة في الصلح والاندماج في الوطن.
الشيخ قال في خطبة الجمعة إن “من خطأ السياسة أن تعتبر يوماً فاصلاً تقرر فيه ألا حرية للآخر على الإطلاق بعد اليوم، لا اعتزاز للآخر بنفسه ولا كرامة له بعد اليوم، لا خيار للآخر في حياته ومصيره بعد اليوم، لا لقمة شريفة له بعد اليوم، لا فرصة علم له بعد اليوم، لا حق له على الإطلاق بعد اليوم، لا سلامة لماله ونفسه وعرضه بعد اليوم”.
فهل هناك تحريض أكثر من هذا؟ فماذا بوسع الشاب الذي يسمع هذا الكلام أن يفعل، بعد أن سد الشيخ في وجهه كل أبواب الرحمة؟ إنها وصفة أكيدة لقتل الغير أو قتل الإنسان لنفسه.
يا علماء الدين يا ملح البلد من يصلح الملح، إذا الملح فسد؟