هيكل والصغار

هيكل والصغار

بعض الممثلات المغمورات في مجال السينما يفرحن جدا عندما تنشر حولهن فضيحة معينة، كأن يقال ان إحداهن على علاقة بهذا الشخص أو ذاك أو إنها ستطلق من زوجها نتيجة لتلك الفضيحة؛ لأن مثل هؤلاء الممثلات الفاشلات لا ينلن الشهرة وذيوع الاسم إلا بهذه الطريقة. ومن المعروف أن بعضهن إذا طال عليها الأمد ولم تنشر لها فضيحة تجعل اسمها على كل لسان، تقوم هي نفسها بالاتفاق مع أحد المرتزقة في صفحات الفنون لكي ينسج لها فضيحة تليق بمقامها الفني الرفيع.
أما بعض الكتاب الصغار الذين يريدون أن تتردد أسماؤهم ويعرفها الكبار فيقومون بانتقاد شخصية كبيرة ومعروفة في مجالها، ففي مجال الأدب والنقد الأدبي يمكن لكاتب صغير أن يهاجم “وليم شيكسبير” ويقول مثلا ان مؤلفاته كلها مسروقة، وانه سرقها عندما كان يعمل كعامل إضاءة في أحد المسارح. وتكون النتيجة التي خطط لها صاحبنا الصغير هي جعل عشاق شيكسبير وكبار المثقفين يقرؤون اسمه لأول مرة، ولا بأس لديه إذا كانوا سيندمون ويبصقون على مقاله بسبب الوقت الذي أضاعوه في قراءته نتيجة لعنوانه الخادع.
وعلى هذا النهج لطالما سار الكثير من كتاب الصحافة غير المعروفين، فتجد بعضهم من وقت لاخر يصيبه التهور ويقرر أن يهاجم الكاتب الكبير محمن حسنين هيكل، ليس لأنهم يعرفون عن هيكل ما يكفي لكي يقوموا بانتقاده أو الهجوم عليه، ولكن رغبة في ذكر أسمائهم إلى جوار اسم هيكل حتى يعتقد الناس أنهم ينتمون إلى عالم الكبار في مجال الصحافة.
ولكن أهم ما يميز الأستاذ هيكل أنه لا يرد على منتقديه الكبار مهما كتبوا، فما بالنا بمنتقديه الصغار؟ ولكن لماذا هيكل بالذات لا ينزعج عندما ينتقده أحد الكتاب؟ هيكل نفسه لم يفسر هذه المسألة، فكل ما قاله: “أنا لا أرد على المنتقدين”. ولم يزد شيئا على هذه العبارة، وكأنه يعطي درسا آخر للنقاد ولمن يتعرضون للنقد في نفس الوقت. ولم يستخدم تعبيرات من نوعية “دع الكلاب تنبح فالقافلة تسير” أو “لا يضر السحاب نبح الكلاب”، فهيكل قمة ومدرسة في كل شيء.
وسواء أعجبنا كلامه أم لم يعجبنا في بعض الأحيان، فهو شيء كبير جدا في عالم الصحافة والكتابة السياسية، وهو رجل يعرفه كتاب العالم ويعرفه حكام العالم أيضا، ولذلك فمن العيب أن يقول عنه أحدنا انه عجوز أتى في حلقات تلفزيونية مفككة ليحكي حكايات قديمة.
أقصد أن أحد كتابنا، الذين يهاجمون كل شيء عربي، أراد هو الآخر أن يهاجم هيكل ويعيب عليه أنه اعتزل الكتابة منذ وقت طويل ثم عاد ليطل علينا من جديد على شاشة الجزيرة، وقال في نقده لهيكل إنه مذيع قديم على قناة حديثة، وبأنه عجوز أتى للناس بحكايات عن عهد مضى، وهو عهد التغيرات الكبيرة وقيادة مصر للأمة العربية، وقال إن هذا لن يضيف شيئا لهيكل. وكأن كاتبنا الكبير لا يعرف أن هيكل لا يحتاج إلى إضافة ولا يحتاج إلى الشهرة لكي يطل على الناس من جديد عبر التلفاز.
والحق يقال ان كاتبنا البحريني لم يفعل ما فعله من أجل الشهرة، فهو كاتب معروف لدى كل الشعوبيين؛ لأنه يكره العروبة ويهيل عليها التراب كل يوم، ويجد لنفسه مبررات ليجرد العروبة وأهلها من كل شرف في أيامنا هذه، ولكنه فعل ما فعل لأنه يريد لهذا الجيل ألا يعرف شيئا عن العروبة وعن بعض المراحل الجيدة في حياة العرب. لابد له إذن أن ينتقد عبدالناصر وهيكل، وينتقد عمرو موسى لأنه لم يذهب إلى غزة ثم ينتقده لأنه ذهب إليها.
يسفه كل ماهو عربي ويرفع القبعة لشريعتمداري.