هل دخلنا في حزام الفساد؟!

هل دخلنا في حزام الفساد؟!

الغريب أن من يسرق في هذا الزمان لا يفعل ذلك لكي يأكل مثل الفقراء الذين أسقط عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد السرقة من أجلهم في عام المجاعة، ولكن الذين يسرقون في هذا الزمان هم الأغنياء. فالدول الغنية تسرق الدول الفقيرة، والدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا وعسكريا تسرق الدول التي تقوم اقتصادياتها على استخراج الثروات الطبيعية فقط.
وعلى مستوى الدولة الواحدة تقوم فئة من الأغنياء – ليس كل الأغنياء – بسرقة الفقراء وتستكثر عليهم مدخراتهم البسيطة التي اقتطعوها من رواتبهم أو مصادر رزقهم خوفا من المستقبل ورغبة في حماية مستقبل الأبناء.
العطش إلى المال مرض لا يرتبط بحد معين، فقد يزداد كلما ازداد المال الذي يحصله الإنسان، على الرغم من أن المال له حد معين لا يمكن أن يتجاوزه في إسعاد الإنسان. فالإنسان لا ينام في سريرين ولا يأكل في بطنين.
مجاعة هذا الزمان هي مجاعة جشع وطمع تدفع أصحابها إلى ابتكار الوسائل كافة التي توصلهم إلى المال، ابتداء بتسمية الأشياء بغير أسمائها، حيث الرشوة هي الهدية، ومرورا بتوظيف الأموال، ووصولا إلى استخدام أموال الدعارة وتجارة المخدرات في أنشطة حلال حلال حلال ما يؤدي إلى تطهير هذه الأموال واستخدامها في إسعاد البشرية.
في البحرين – وخلال فترة زمنية قصيرة – قرأنا وعشنا عن لونين من ألوان الطمع والعطش الذي لا يرتوي أصحابه، أحدهما بين يدي العدالة حاليا، والثاني تضج به صحفنا في صورة أخبار ومقالات. أقصد بالثاني مسألة النصب التي يطلق عليها توظيف الأموال. أحد المحتالين سرق من عرق البسطاء 12 مليون دينار، وآخر سرق 16 مليونا، بينما لا تزال خيوط محتال السنابس غامضة بين عقله ما إذا كان مختلا أم واعيا لتصرفاته… فهل دخلت البحرين ضمن حزام الفساد (قياسا على حزام الزلازل)؟
إن أعجب ما في جرائم توظيف الأموال هو تكرارها، رغم نشر تفاصيل هذه الجرائم وسقوط ضحايا في كل مرة، ربما لأن النصاب في كل مرة يدخل على الضحايا بحيلة جديدة ومبتكرة، ويستخدم مدخلا أخلاقيا براقا يسيطر به على عقول وعواطف ضحاياه الطامحين إلى الكسب السريع.
ولا مانع أن يقوم هو نفسه خلال النصب على ضحاياه، بمهاجمة عمليات توظيف الأموال التي مارسها الأشرار الذين سبقوه، ويسقط الضحايا ويقدمون له أموالهم عن طيب خاطر. ومن أجل تنفيذ الحبكة الفنية الكاملة في دراما النصب وأحلام الثراء، يقوم المحتال خلال الأشهر الأولى من عملية (التوظيف)بإغداق الأرباح المبالغ فيها على هؤلاء البسطاء، فهو يطبق شرع الله في اقتسام الأرباح، وليس كالبنوك التي تمص دم الفقراء، حسب كذبته. ثم تكون نهاية الدراما وتكتب الصحف عن هروب محتال وسقوط ضحايا جدد.
(وليسامحني أهل اللغة والمعنى، فقد استخدمت تعبير “حزام الفساد” قياسا على “حزام الزلازل” الذي يستخدمه العارفون بشؤون الزلازل، ربما لأن الفساد عندما يتفشى يكون أثره مدمرا مثل الزلازل).