نقل الأعضاء البشرية

نقل الأعضاء البشرية

الدعوة التي وجهها بعض المتخصصين في الطب والاجتماع والقانون من أجل التبرع بالأعضاء وضرورة سن قانون ينظم هذه العملية، هي دعوة غاية في الأهمية، في ظل زيادة أعداد المرضى الذين يمكن إنقاذ حياتهم بزرع عضو يتبرع به أحد الأقرباء أو ينقل لهم من أحد المتوفين حديثا. فنقل كلية يمكن أن يرفع المعاناة عن مريض الفشل الكلوي الكامل ويبعد عنه خطر الموت، وزرع قلب يمكن أن يهب الحياة لصاحب القلب المريض، وقرنية العين يمكن أن تهب النور من جديد لعينين قد أصابهما العمى، وكذلك نقل الكبد الذي ينقذ حياة الآلاف كل عام.
ولكن ولأن نقل الأعضاء مسألة ترتبط بالحياة وبحب البقاء الذي هو أغلى شيء لدى الإنسان – وأقصد حب الحياة للطرفين المنقول منه والمنقول إليه- فهذه المسألة من أعقد المسائل وأكثرها حساسية، فحياة القريب الذي يحتاج إلى العضو، أبا كان أم أما أم أخا، غالية علينا، ولكن حياتنا أغلى، وهنا تكمن صعوبة اتخاذ قرار التبرع له أو لها.
أما التبرع بالأعضاء بعد الموت لانقاذ حياة إنسان أو رفع المعاناة عنه، فهي مسألة أكثر صعوبة لأنها تصطدم بمعوقات أولها مسألة تعريف الموت وما يرتبط بهذا الأمر من مصطلحات مثل ما يسميه أهل الطب بموت جذع المخ، وعدم الاتفاق بين الأطباء ورجال الدين حول هذا الأمر. وقد قرأنا ما تفضل به الدكتور عبدالستار الهيتي من أن موت جذع المخ لا يعد موتا واستدل على ذلك بأن بعضا من الناس عادوا إلى الحياة بعد موت جذع المخ لديهم. وهنا تكمن المشكلة الكبرى.
وليست الصعوبة المتعلقة بمسألة التبرع بالأعضاء مقتصرة على المجتمعات العربية والإسلامية وحدها، ولكنها موجودة في الكثير من المجتمعات، ففي بريطانيا مثلا يبلغ عدد عمليات نقل الأعضاء التي يتم إجراؤها خلال العام الواحد 2700 عملية فقط، بينما تبقى 6000 حالة في حاجة لمن يتبرع لها، ويموت خلال الانتظار نحو 400 من هذه الحالات.
وفي ظل الحرص على الحياة ووفرة المال لدى البعض مقابل الفقر المدقع لدى البعض الآخر، ارتكبت آلاف الجرائم خلال السنوات الماضية، كسرقة الأعضاء داخل المستشفيات أو سرقة أطفال لبيعهم كقطع غيار، أو بيع الأعضاء من قبل المحتاجين ماديا. فقد قرأنا كثيرا عن مريض دخل إحدى المستشفيات لاستئصال الزائدة الدودية فخرج ليكتشف أن إحدى كليتيه قد سرقت. وقرأنا عن جرائم الجيش الإسرائيلي وسرقة القادة والجنود الصهاينة لأعضاء الأطفال الفلسطينيين بعد قتلهم للاتجار بها.
ولذلك فإن مسألة التبرع بالأعضاء بعد الموت إذا ما وضعت لها الضوابط والقوانين التي تضمن عدم الانحراف وتضمن عدم الاعتداء على حياة الإنسان، وإذا ما نالت موافقة علماء الدين فسوف تحقق طفرة كبيرة في مجال الطب وتوفر على الدولة موارد كبيرة وتوفر على الكثير من الناس نفقات السفر إلى الخارج لإجراء العمليات. كما أنها إذا أقرت بشكل واسع على مستوى العالم ستسد بابا واسعا من أبواب الجريمة.
والبحرين تعد مؤهلة بشكل كبير لتحقيق تقدم في هذا المجال بعد قصص النجاح التي قرأنا عنها خلال الفترة الماضية عن عمليات أجريت داخل مستشفى السلمانية.
وما نحتاجه ليس فقط قانونا ينظم مسألة التبرع بالأعضاء من كافة جوانبها ويتم إقراره من قبل البرلمان، بعد استيفاء مناقشة الموضوع طبيا ودينيا ومجتمعيا، ولكننا نحتاج أيضا إلى تغير ثقافي لأن المسألة حتى وإن حسمت من قبل الأطباء ورجال الدين والقانونيين، فهي تبقى قناعة ذاتية وسلوكا شخصيا، فكثير من الدراسات في الدول الأخرى بينت أن الكثير جدا من الناس يوافقون على التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، ولكن القليل جدا منهم هم الذين يترجمون ذلك إلى سلوك عملي بملء استمارة في شكل إقرار برغبتهم في التبرع بعد موتهم.