ملاحظات حول تقرير الحريات الدينية

ملاحظات حول تقرير الحريات الدينية

ذبح خنزير جريمة لا تغتفر… وذبح أمة بكاملها مسألة فيها نظر.
هذا هو أسرع تعليق تبادر إلى ذهني بعد الاطلاع على بعض أجزاء مما يسمى بتقرير الخارجية الأميركية عن الحريات الدينية في العالم. فالتقرير لم ينسَ الخنازير التي ذبحت في مصر العام الماضي أثناء تفشي مرض أنفلونزا الخنازير، ولكنه نسي ذبح الاحتلال الاسرائيلي لأطفال فلسطين.
كما يحدث كل عام، عبرت الولايات المتحدة على لسان وزيرة خارجيتها عن قلقها حول التضييق على الحريات الدينية في أنحاء مختلفة من العالم من خلال التقرير السنوي للخارجية الأميركية عن الحريات الدينية في هذا العالم.
ولا ندري على أي أساس علمي يقوم هذا التقرير الذي يعد مجرد نقل لأقوال بعض المعارضين والمنشقين خاصة في مملكة البحرين.
فبالنسبة للبحرين تحديدا لا فرق بين الكلام المرسل الذي سرده التقرير حول الحريات الدينية في البحرين لهذا العام وغيره من الأعوام السابقة منذ إصدار هذا التقرير، وكأنه لابد من تدوين جميع الدول العربية والإسلامية وتضخيم سلبياتها ضمن هذا التقرير كنوع من الضغط على حكومات هذه الدول لمآرب أخرى، ولا مانع من ذكر جملة أو جملتين عن النواحي الإيجابية في هذه الدول أو بعضها لأسباب تتعلق بإضفاء المنهجية والمصداقية على التقرير.
من أعجب ما ورد ضمن هذا التقرير أنه انتقد الصحفيين ورسامي الكاريكاتير المصريين الذين ينشرون مواد تنتقد الممارسات الإسرائيلية في فلسطين وتصنف على أنها معادية للسامية.
كما انتقد التقرير منع الأقباط من الدراسة في جامعة الأزهر، وكأن الدراسة في جامعة الأزهر التي تتعلق مناهجها في قسط كبير منها بالدين الإسلامي مطلب ملح لهؤلاء الأقباط المصريين.
وانتقد التقرير ذبح الخنازير بعد موجة أنفلونزا الخنازير، وقال إن الحكومة المصرية استغلتها للقضاء على الحظائر العشوائية للخنازير الموجودة وسط مناطق سكنية.
أما إسرائيل، فلا تأتي على تقرير الحريات الدينية إلا في صيغة المفعول به، ولا يهم الولايات المتحدة ويثير قلقها إلا ما يسمى بالعداء للسامية. فكيف يركز التقرير على رسوم الكاريكاتير التي تنتقد المجازر الإسرائيلية في فلسطين المحتلة ولا يذكر شيئا عن المجازر ذاتها؟
شيء عجيب حقا أن تتباكى السيدة كلنتون على ذبح الخنازير في مصر، ولا ينبس تقريرها بكلمة عن الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين الأبرياء!!
التقرير الأميركي حاول أن يتجمل هذا العام عندما أتى على ذكر دول أوروبية تضطهد المسلمات اللاتي يرتدين النقاب، ولكنه لم يتجمل بما يكفي؛ لأنه اعتبر الرسوم الكاريكاتورية التي تنتقد جرائم الاحتلال الإسرائيلي عداء للسامية، ولم يشغل نفسه بالرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي تسيء لمشاعر مليار مسلم حول العالم.
أما أعجب شيء حول هذا التقرير أنه لا يأتي على ذكر الولايات المتحدة وما يجري للمسلمين فيها، وكأن المسلمين ينعمون بحقوقهم كاملة هناك، وكأن كبريات الصحف ومحطات التلفزة الأميركية قد كفت عن تلطيخها وتحريضها اليومي على الإسلام والمسلمين.
هذا التقرير ليس أكثر من أداة من أدوات الخارجية الأميركية في تشخيص معايب الدول لمآرب تخص سياستها الخارجية، بدليل أنه يقوم بتضخيم ممارسات معينة في دول بعينها، بينما يقوم بالتهوين من خطورة ممارسات أشد سوءا في دول أخرى، طبقا لمعايير ومصطلحات تصيغها وتملكها الولايات المتحدة وحدها، ولا يراجعها أحد؛ لأن القاعدة هنا هي كما قال سقراط: “القوي يعرف الحق”.
فالحق هو ما تراه الولايات حقا، والإرهاب هو ما تراه الولايات المتحدة إرهابا!