لماذا نختلف حولك أيها الهلال؟

لماذا نختلف حولك أيها الهلال؟

بعد أيام قليلة يهل على الأمة الإسلامية شهر رمضان العظيم ضيفا عزيزا، وعلى الرغم من أن هذا الشهر تتجلى فيه الروحانيات ومشاعر الأخوة والعطاء والتوحد تحت راية الإسلام، إلا أن رمضان يكاد يكون الشهر الوحيد على مدار العام الهجري الذي يختلف المسلمون حوله مرتين، مرة عند قدومه، ومرة عند انتهائه. ففي بداية الشهر تجد العالم العربي الذي يشترك مع بعضه البعض في الليل والنهار منقسما إلى فريقين، أحدهما صائم وفق أدلة وبراهين قدمها علماء أجلاء أو قدمتها التكنولوجيا الحديثة، وفريق آخر مفطر وفق أدلة وبراهين قدمها علماء آخرون؟ وعندما ينقسم الناس ويكثر الجدل حول الاعتماد على العلم أم على الرؤية الشرعية في تحديد بداية الشهر ونهايته، تأتينا الفتاوى من علماء أفاضل بأنه لا تعارض بين العلم والرؤية الشرعية! لماذا لا تتفق الأمة إذن على آلية واحدة لحسم هذا الخلاف المتجدد كل عام؟ وعندما يهل علينا شهر ذو الحجة تكون الغلبة للمملكة العربية السعودية في تحديد بداية هذا الشهر على وجه الخصوص، ولا يمكن لأحد أن يقول أن الهلال لم يثبت لأن الخلاف هنا سيؤدي إلى خلل لا يمكن لأحد تحمله، لأن شهر ذي الحجة هو شهر الحج ولابد أن تكون وقفة عرفات في يوم واحد.
فهل يتخيل أحد أن يصعد الحجاج الليبيين واللبنانيين والمصريين والفلسطينيين إلى جبل عرفات في يوم آخر غير اليوم الذي يصعد فيه حجاج بقية الدول العربية؟؟ وبناء عليه أيضا تختلف مواعيد رمي الجمرات ومواعيد الكثير من مناسك الحج، ويتحول الحج من مناسبة للتجمع والتوحد في كل شيء حتى الملبس، إلى تفرق وشرذمة؟؟ قد يقول البعض:ماهذه الأفكار المجنونة؟ وهل يمكن أن تختلف الأمة على مواعيد الحج والمناسك؟ فنقول لهم بدورنا إن هذا ضرب من الجنون، ولكن من حقنا أيضا أن نسأل ونتساءل:لماذا إذن تختلفون على هلال رمضان بالذات؟ مرة عند بدايته ومرة عند نهايته؟ أليس رمضان شهرا ككل أشهر الله؟؟ أليس الصوم عبادة كعبادة الحج؟ ألا يوجد رأي ديني يقول أنه إذا ثبت الهلال في دولة تشترك مع غيرها من الدول في الليل والنهار وجب الصيام على بقية هذه الدول؟.
لكن العجب الكبير في مسألة اختلاف العرب على الهلال – ونقول العرب لأن العرب هم الأكثر اختلافا في هذه المسألة عن بقية المسلمين – هو أن الأمر لا يتوقف فقط على مسألة رؤية الهلال أو عدم رؤيته والتنازع بين الرؤية الشرعية والعلمية، ولكن هناك مصدر آخر للخلاف وهو اختلاف المذاهب وما يترتب على ذلك من اختلاف مواعيد بدء الصيام وموعد انتهاء الشهر الفضيل.هذا الاختلاف الذي نتج عنه في أحد الأعوام أن جاء عيد الفطر ثلاث مرات في بلد صغير كالبحرين. فهناك مذهب احتفل بالعيد في الوقت الذي انتظر أتباع مذهب آخر يومين آخرين لكي يحتفلوا بنفس العيد.
مهما قال لنا العلماء الأجلاء أن الاختلاف وارد وأن هناك رأيين في مسألة استطلاع الهلال وأنه يجوز الأخذ بأي منهما،إلا أن كل هذا لا يخفف من حالة الحيرة التي تنابنا كل عام بسبب الخلاف، بين الدول وبين المذاهب، على تحديد هذا الشهر، ويجعلنا نتساءل حول السبب الذي يجعل المسلمين – وبخاصة العرب منهم – يختلفون على رؤية هلال أعظم شهر. أليس من العجيب أن تحتفل دولة كالبحرين بعيد الفطر ثلاث مرات؟ لماذا لا يتم تشكيل لجنة من العلماء المسلمين – على الأقل في الوطن العربي الذي يعد تجمعا كبيرا لدول إسلامية متجاورة – تكون مسؤوليتها تحديد ثبوت الهلال من عدمه والاستعانة بالعلم الحديث والتشاور مع العلماء في هذه الدول؟وربما يكون ذلك فألا حسنا على العرب فنراهم قد اتفقوا على شيء ونحن على قيد الحياة!!.