“كم سنة وشهور” ونحن نعشقك؟

“كم سنة وشهور” ونحن نعشقك؟

الفنان بطبعه كائن يحتاج إلى الرعاية والتكريم الدائمين – في حياته وليس بعد مماته – على عكس ما يحدث غالبا في عالمنا العربي. فالفنان العربي قد يظل طوال حياته مهملا يعاني الصعوبات وينحت في الصخر لكي يحقق شيئا في عالم الفن، ولكن لا يلتفت إليه احد إلا بعد رحيله عن دنيانا، فيبدأ الكتاب والأصدقاء من هنا وهناك يتحدثون عن مآثره وعطاءاته وتميزه في فنه.
هذه الكتابات في بعض الأحيان أيضا قد تدفع ببعض المسؤولين – القريبين بحكم وظائفهم من المجال الذي برع فيه هذا الفنان – إلى التفكير في تكريمه معنويا وماديا بشكل قد يسعد أهله أو ذووه ولكنه يحرم الفنان نفسه من لحظة سعادة قد تساوي عنده كل أموال العالم. وكأن المجتمع بمن فيه يريد أن يكفر عن إهماله لهذا الفنان أو ذاك في حياته. ولكن هذا التكفير لا يحقق شيئا،لا لمن رحل ولا للفنانين الباقين على قيد الحياة، بل قد يصيبهم بالألم والغربة.
التكريم الحقيقي هو تكريم الإنسان في حياته، لأن هذا يدفعه هو وغيره إلى المزيد من العطاء ويجعله يشعر بأهمية إبداعه للمجتمع الذي يعيش فيه.
ولأن الواقع في عالمنا العربي يخالف ذلك، فقد كان للتكريم الذي ناله الفنان الكبير المطرب “محمد علي عبد الله” أكبر الأثر في نفوسنا، لأنه يؤكد أن الاهتمام بالفنانين والمبدعين لم يغب أبدا عن اهتمام صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي تحقق في عهده كثير وكثير في عالم الثقافة في البحرين، واصبح للمنامة اسم في عالم الفعاليات الثقافية مثل غيرها من العواصم العربية. وقد وصل الاهتمام بالثقافة والتراث والفن في مملكة البحرين إلى قمته بتولي الشيخة مي آل خليفة لوزارة الثقافة والإعلام.
فشكرا لسعادة الوزيرة على هذه الرعاية التي أولتها لهذا الفنان الذي نعشقه. وشكرا لتلفزيون البحرين على البرنامج الخاص الذي أذاعه تكريما لهذا الفنان وأعطاه اسما جميلا هو: “عنوا ع البال” تخليدا لأغنية هي من أجمل ما قدمه. وشكرا لكل الذين ساهموا في تكريم الفنان بخاصة جمعية تاريخ وآثار البحرين التي يرأسها قيمة ثقافية بحرينية كبيرة وهو الدكتور عيسى أمين، والذي بلا شك يعد صنيعه خطوة استباقية نحو فضاءات أوسع في عالم الفن والإبداع والثقافة.
لقد أقامت هذه الجمعية حفل تكريم يليق بهذا الفنان صاحب الصوت الشجي وحضرته السيدة وزيرة الثقافة والإعلام وحضره عدد من المسؤولين وحضره كثير من عشاق الفنان القدير محمد علي عبدالله، الذي يعد من الرعيل الأول للأغنية البحرينية الحديثة ومن الجيل الذي ترعرعنا على صوته هو واحمد الجميري، وخالد الشيخ، وجعفر حبيب، وإبراهيم حبيب، ويعقوب بومطيع ومحمد حسن – مع حفظ الألقاب- ممن يستحقون التكريم والاهتمام.
ولم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي قدمته جمعية تاريخ وآثار البحرين للفنان الكبير فقد قامت بإعداد كتاب عن حياة الفنان حمل أيضا عنوان “عنوا ع البال”، وهي فكرة رائعة أن أعطت الجمعية نفس العنوان للكتاب وللفيلم التسجيلي، ففي ذلك تثبيت لأعمال هذا الفنان في الذاكرة البحرينية التي لن تنسى إبداعاته الجميلة.
أما كلمتي للفنان العظيم في هذه المناسبة فهي: متعك الله بالصحة والعافية يا صاحب الفن الأصيل. إن أعظم تكريم لك هو أنك ستبقى في قلوبنا وستبقى مرتبطا بالمشاعر الإنسانية الجميلة على مر السنين والشهور، وستبقى أغنيتك “كم سنة وشهور” تهز وجداننا وتصيبنا بالشجن، كلما عنت على البال…