كــــل عــــام وأنتـــم بخيــــر

كــــل عــــام وأنتـــم بخيــــر

كل عام وأنتم بخير. اليوم هو يوم التضحية، فلنتوقف قليلا عن الجدل السياسي والصراعات والتطاحن الفكري والطائفي، ولنعش لحظة صفاء ننفصل فيها عن كل ما يعكر صفونا، ولننسى مظالمنا مؤقتا حتى نستمتع بهذا اليوم العظيم.
اليوم يستمع ملايين المسلمين في ساحات الصلاة إلى درس واحد يلقيه آلاف الخطباء، وهو درس التضحية بأعز ما في الوجود طاعة لله سبحانه وتعالى، تضحية النبي إبراهيم عليه السلام بولده الوحيد إسماعيل الذي رزقه الله به بعد سنوات طوال من الانتظار والتضرع لله.
اليوم نستمع إلى درس الابن المطيع الذي رضي بالذبح، طاعة لوالده وإعانة له على تنفيذ أوامر الله.
سنوات طويلة مضت على هذه الحادثة ولا تزال أعظم درس عرفته البشرية في علاقة الآباء والأبناء.
الأب يضع السكين على رقبة ولده الذي يقول له: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إنْ شاء الله من الصابرين.
فما هذا اليقين الكبير وما هذا الإيمان الراسخ الذي جعل إبراهيم عليه السلام جديرا بأن يوصف من قبل الله بأنه كان أمة؟
ولكن هذا الدرس الكبير بين إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام يأتينا كل عام، فيذكرنا بقسوة الواقع الأسري الذي أصبحنا نعيش فيه، وقد ازدادت علاقة الأبناء بالآباء سوءا، فلا الأب مازال أبا ولا الابن ما زال ابنا، بعد أن فقد الاثنان معنى الأبوة والبنوة، وانتهى زمن الأب الذي يعلم ويهذب، وأصبحنا نعيش في زمن الأب البنك الذي يوفر المال والمطالب لأبنائه، ولا شيء آخر يربط الأب بأبنائه، إلا لدى القليل من الناس الذي لا يزالون يقاومون موجات الانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري.
وطالما تخلى الأب عن أبوته، طوعا كان أو كرها في هذا الزمن العجيب، فمن الحتمي أيضا أن يكون الأبناء عاقين لآبائهم وأمهاتهم الذين لا يجلسون معهم إلا عند تناول الطعام في أحسن الأحوال.
وقد يجلسون على مائدة الطعام ولا يتحدثون، بل يظلون منفصلين عن بعضهم ومرتبطين بعوالمهم الخاصة. وهناك ما هو أسوأ من ذلك، فهناك آباء وأبناء لا يتواصلون إلا من خلال “البلاك بيري”، وقد لا يرى الأب ابنه إلا عندما تستدعيه الشرطة ليضمن ابنه المتهم بشيء ما،وربما يزيد الطين بلة بأن يرسل له أحد المحامين ليساعده ولا يذهب هو بسبب الانشغال ببعض الأعمال.
بالأمس شاهدنا ملايين الحجاج وهم يقفون بعرفة في مشهد إيماني رهيب، متساوين متوحدين في كل شيء، في في زي واحد يلهجون بصوت واحد من أجل هدف واحد هو غفران الله وصلاح أحوال هذه الأمة.
ولكن هذا المشهد الإيماني الرهيب، بقدر ما يهز مشاعرنا ويجعلنا نرى الوحدة الإسلامية في أجمل صورها، هو أيضا يذكرنا بقسوة الواقع والتشرذم الذي يعيش فيه المسلمون والعرب في هذه الأيام.
ومع ذلك لابد أن نعيش هذه المشاهد الإيمانية ولا بد أن نعيش العيد، وندعو الله أن يأتينا عيدا فيه تجديد.
وكل عام وأنتم بخير