قناة الجزيرة… هل بدأ التصويب على البحرين؟

قناة الجزيرة… هل بدأ التصويب على البحرين؟

لماذا في هذا التوقيت بالذات قامت قناة الجزيرة ببث برنامج عما أسمته بالفقر في البحرين؟ هل جاء هذا الاكتشاف بعد موضوع إطلاق النار على الصيادين البحرينيين الذين دخلوا المياه الإقليمية القطرية وما تبعه من رد فعل إعلامي في البحرين؟ أم إن قناة الجزيرة قد أصبحت بشكل أكثر وضوحا أداة من أدوات السياسة القطرية كباقي أجهزة الدولة؟ أم إنها انتهت من مرحلة التصويب على مصر والسعودية وتونس، وبدأت توجه نيرانها للبحرين؟
الذي يدفعنا لإطلاق كل هذه الأسئلة هو التوقيت الذي قامت فيه القناة المعروفة ببث برنامجها المذكور. وسواء كانت الإجابة على هذه الأسئلة بنعم أم بلا، فهذا لا يغير في الأمر شيئا فيما يتعلق بأهداف هذه القناة التي تمتلك من الإمكانيات المادية والبشرية ما يجعلها القناة العربية الأكثر انتشارا وتأثيرا. فهي تمتلك جيشا من الإعلاميين المثقفين ذوي المهارات النادرة في مجال الإعلام، وهو ما يجعلها قادرة على استقطاب جماهير عربية عريضة مهما كان المضمون الذي تقدمه.
وكان من أسباب الانتشار الكبير لهذه القناة أنها قامت قبل غيرها بالخروج عن المألوف في عالم الإعلام العربي، ليس فقط في مجال انتقاد الحكام والحكومات في العالم العربي كله (باستثناء قطر)، ولكن أيضا في طرح موضوعات حساسة لم يتطرق إليها الإعلام الحكومي من قبل. والمتابع الذكي لقناة الجزيرة يجد مستويات من النقد تتفاوت في حدتها من دولة عربية إلى أخرى، وهو ما دفع بدول معينة إلى إغلاق مكاتبها أكثر من مرة، بل وصل الأمر إلى قيام دول عربية بقطع علاقاتها مع قطر بسبب قناة الجزيرة.
ولكن أخطر شيء صنعته قناة الجزيرة على مدى سنوات هو أنها أعطت المجال لكل المختلفين أو المتصارعين فكريا وسياسيا على مستوى الدول العربية بشكل عام وعلى مستوى الدولة العربية الواحدة، لكي يسبون بعضهم على الهواء مباشرة وليكشف كل منهم معايب دولة الآخر أو جماعة الآخر، ليتحول هذا الخلاف إلى نار موقدة، بين دولة ودولة، أو بين فريق وفريق. وللأسف هذه النوعية من البرامج لها شعبية كبيرة وتنال تقدير كثير من الناس، على الرغم من أنها في وجهة نظري من أسباب زرع الشقاق بين الدول والشعوب العربية.
ولكن الشيء الذي يمس مصداقية الجزيرة بوضوح هو أنها نبشت في كل شيء وتناولت تاريخ رؤساء وملوك رحلوا وعقدت لهم المحاكمات، وأتت لكل دولة بشاهد على كل عصر، ولكنها لم تفعل نفس الشيء مع قطر. وإلى جانب ذلك تنتقد السياسة الخارجية لكثير من الدول العربية ولكنها لا تتعرض من قريب أو بعيد للسياسة الخارجية القطرية ولا تناقش أي شيء فيها. وسأضرب على ذلك مثالا قريبا: فقبل أيام (في 18 مايو) نقلت وكالة “أ ف ب” للأنباء عن صحيفة معاريف الإسرائيلية أن إسرائيل رفضت طلبا قطريا لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في الدوحة. ونحن لا نناقش السياسة القطرية، فكل دولة لها الحق في صياغة سياستها بالشكل الذي تريد وعمل علاقات مع من تريد، وربما أرادت قطر أن تفعل ذلك من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني في غزة عن طريق صفقة ما، ولكننا نناقش سلوك قناة الجزيرة.
فلو كانت دولة عربية أخرى هي التي قدمت طلبا لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لقامت بإذاعة الخبر طوال النهار، ثم قامت في المساء بتحليله في برنامج خاص.
والخلاصة، أن الجزيرة قناة متفوقة ومنتشرة ولكنها ليست محايدة على الإطلاق، وأنها تستخدم كثيرا كأداة انتقام من دول وحكومات بعينها.