عفوًا أيها السادةُ البلديون

عفوًا أيها السادةُ البلديون

عندما ثار السادة النواب المنتمون للجمعيات الدينية وأتباعهم وأتباع أتباعهم ضد مسرحية عرضت قبل عامين تقريبا ضمن مهرجان ربيع الثقافة، كان هناك شيء من المنطق والحجة في ثورتهم هذه، على الرغم من عدم وجود اتفاق آنذاك على ما أرادته هذه الشريحة من المتدينين، فقد تضمنت تلك المسرحية مشاهد جنسية ذهبت إلى ما هو أبعد من التلميح الذي يتبناه أهل الفن في الأفلام والمسرحيات إلى ممارسة حركات جنسية لا تتفق مطلقا مع مجتمع محافظ كالمجتمع البحريني. وبالتالي اجتمع على رفض هذه المشاهد أهل التقاليد أيضا وليس أهل الدين وحدهم. ودارت على إثر ذلك رحى حرب صحافية استمرت شهورا بين أهل الإبداع الذين لا يقبلون بتطبيق أحكام أخلاقية أو دينية على ما يبدعه الأدباء والشعراء، وبين المتشددين الذين يقيسون كل شيء بمقياس أخلاقي.
كانت تلك المشاهد المرفوضة على المسرح وليس في التلفزيون، والفرق شاسع بالطبع بين الاثنين، فالناس هم الذين يذهبون إلى المسرح بإرادتهم، ولكن التلفزيون يصل إلى الناس في مخادعهم، ومع ذلك تفهمنا – وغيرنا كثير – موقف السادة النواب والسادة شيوخ الدين.
وعندما يطالب نواب ومشايخ بتكثيف عمليات مداهمة الأماكن المشبوهة التي يمارس فيها البغاء، يجدون التعاطف والتأييد من كثير من أبناء البحرين، حيث الجميع يغار على سمعة المملكة ومكانتها.
ولكن ما أعلن الأسبوع الماضي من أن المجالس البلدية تتجه إلى منع فتح المطاعم والمقاهي بعد الثانية عشرة ليلا، فهو شيء عجيب وغريب وليس له ما يشبهه على وجه الكرة الأرضية من أقصاها إلى أدناها، إلا قرار الرئيس أنور السادات بمنع الذبح لمدة شهر، الذي أدى إلى زيادة الذبح وتناول اللحوم على عكس ما أراد، أو كقرار الحاكم بأمر الله الذي حرم أكل الملوخية على المصريين.
لا أدري كيف توافق السادة البلديون على رأي واحد في هذا الموضوع؟ وما هي حجتهم بالضبط  في هذا القرار؟ هل السهر بعد الثانية عشرة حرام؟ ما أعتقده أن السهر يأتي ضمن الحرية الفردية، طالما أن الإنسان سيلتزم باحترام القانون وسلطات الأمن في المملكة.
ألا يعلم السادة النواب أن البحرين دولة سياحية، وأن السياحة مكون مهم من مكونات الاقتصاد البحريني؟ وأن على أرضها يعيش عدد كبير جدا من جنسيات العالم، وأن قرارا كهذا يمكن أن يؤثر سلبا على حركة السياحة ويؤثر على استثمارات أصحاب المطاعم الذين يعتمدون في كسبهم على الليل أكثر من النهار.
ربما يكون من حق البلديين وغير البلديين أن يطالبوا السلطات بمتابعة أنشطة المطاعم والمقاهي وإغلاق الأماكن التي يثبت أنها تمارس نشاطا مخالفا أو محظورا، ولكن المطالبة بإغلاق جميع المطاعم والمقاهي بعد الثانية عشرة ليلا، فهذا شيء لا يتفق مطلقا مع تطلعات دولة تسعى إلى الوصول إلى آفاق أبعد في مجال السياحة واستقطاب الزوار من جميع أنحاء العالم، ويمكن أن يؤثر على صورة البحرين كدولة منفتحة تحترم التنوع الثقافي.