رحم الله الشيخ يوسف الصديقي

رحم الله الشيخ يوسف الصديقي

لم يكن الشيخ يوسف الصديقي عليه رحمة الله ورضوانه رجلا عاديا، بل كان علامة مضيئة في تاريخ البحرين الحديث. كان الشيخ الصديقي من العلماء القدامى الذين يقضون عمرهم في محراب العلم وفي خدمة البشرية دون مطامع دنيوية. كان مثل العلماء الذين يبرعون في أشياء كثيرة وليس فرعا واحدا من فروع العلم. أقصد بذلك العلماء الذين كانوا بارعين في الدِّين والمنطق والفلسفة والترجمة والقانون، فاستحقوا أن يخلدهم التاريخ ويذكرهم الناس بسبب التراث الذي يتركونه وراءهم ويصبح هذا التراث سببا للرزق لمن يأتي بعدهم من الدارسين.
الخليل بن أحمد، ذلك العالم الكبير الذي برع في اللغة والرياضيات والصوتيات، كان يعيش في بيت حقير رغم أن الدنيا لا تزال تأكل بعلمه حتى أيامنا هذه.
صحيح أن هناك فرقا بين عطاء الشيخ الصديقي عليه رحمة الله وبين الخليل بن أحمد وغيره من العلماء الذين خلدهم التاريخ، ولكنه ينتمي إلى هؤلاء بالخلق والعطاء والتفاني في خدمة العلم والمجتمع دون تطلعات مادية أو حب في الظهور واعتلاء المناصب.
الشيخ الصديقي قدم للبحرين الكثير، فاستحق أن تودعه البحرين بهذه الحرارة واستحق هذه الشهادات التي قالها في حقه كل رجال البحرين الأوفياء، فهو رجل ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم “خيركم من طال عمره وحسن عمله”.
لم يكن عمر الشيخ الصديقي طويلا فقط بالمعنى الزمني، ولكنه كان طويلا بحجم العطاء وبحكم اللمسة التي تركها الشيخ في كل مجال عمل فيه، فقد أعطى المثل والقدوة، وهو قاض وهو خطيب وترك الأثر الأخلاقي والدرس لغيره من الناس، وسيظل نبراسا يهتدي به من يأتي بعده.
رحمة الله عليك أيها الشيخ الجليل وهنيئا لك هذا الحب وهذا الدعاء الذي ودعك به أهل البحرين الأوفياء.
عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول (إذا أحب الله عز وجل عبدا، فقال يا جبريل إني أحب عبدي فلان ابن فلان فأحبه، فينادي جبريل عليه السلام يا أهل السماء إن الله يحب عبده فلانا، فأحبوه فينشر الله عز وجل حبه في قلوب الجميع سواء بأهل السماء أو بأهل الأرض).
ويقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه (خالطوا الناس مخالطة إذا متم معهم بكوا عليكم، وإذا عشتم حنوا إليكم)..
ولاشك أن الشيخ الصديقي جدير بأن يكون أحد هؤلاء الرجال الذين يحبهم الله ويطرح محبتهم في قلوب الناس، فهو رجل كثيرا ما حنَّ الناس للقائه قبل موته وبكوا عليه بعد موته، وكثيرا سيترحم عليه الناس بعد موته.