حول منع “البلاك بيري”

حول منع “البلاك بيري”

قبل الإنترنت كانت الحياة تسير على قدر ما هو متاح من وسائل الاتصال التي أبدعها العقل البشري، وقبل ظهور الهاتف النقال عاش الناس سنين طويلة يتواصلون عن طريق الهاتف الأرضي ولا يشعرون بالملل لأنهم تعودوا أن يعيشوا على هذا القدر من تكنولوجيا الاتصال.
ولكن بعد ظهور الهاتف النقال ومن بعده البلاك بيري حدثت طفرة مهولة في حياة بني البشر، وارتبطت لقمة خبز الكثير من الناس بتكنولوجيا الإنترنت والنقال والبلاك بيري، وازدادت قيمة عامل الوقت بدرجة كبيرة، حيث التأخر أو التقدم لدقيقة أو جزء من الدقيقة تعني خسارة بالملايين أو مكسبا بالملايين.
وبناء على ما سبق فإن منع استخدام تكنولوجيا اعتاد الناس على استخدامها وارتبطت بها مصالحهم لفترة من الزمن يمكن أن يحدث هزة كبيرة ويصيب بعض الأعمال بالضرر.
لو كنا من البداية منعنا استخدام البلاك بيري لما حدث أي ضرر على اعتبار أن الناس يديرون شؤونهم في حدود ما هو متاح من تكنولوجيا الاتصال، ولكن المنع في الظروف الحالية سيكون قاسيا جدا على الناس.
نحن لا نلوم الدول العربية التي أعلنت وقف استخدام البلاك بيري، خاصة وأنها فعلت ذلك لأسباب أمنية، لكون البلاك بيري جهاز يصعب فك شفراته ويصعب الاطلاع على الرسائل المرسلة من خلاله وبالتالي فيمكن استخدامه في التواصل بين الجماعات الإرهابية والتخطيط لتنفيذ عمليات بعيدا عن أعين أجهزة الأمن. وقد كانت جريمة اغتيال محمود المبحوح في دبي من العمليات التي أزعجت دولة الإمارات العربية وربما من الأسباب المهمة التي تكمن وراء قرار وقف خدمة البلاك بيري. وربما كانت العمليات الإرهابية التي تعرضت لها السعودية في الفترة الماضية وتطلبت جهودا أمنية كبيرة هي التي جعلت سلطات المملكة تتخذ قرارها بإلغاء هذه الخدمة.
ومع ذلك فنحن لا نؤيد وقف خدمة البلاك بيري لأن الإرهاب كان موجودا من قبل البلاك بيري وسيظل موجودا بعد وقف استخدامه. وقد تعرضت الولايات المتحدة لما تعرضت في الحادي عشر من سبتمبر قبل ظهور البلاك بيري، وتعرضت أسبانيا بعدها لعملية قطار مدريد أيضا قبل البلاك بيري، هذا إلى جانب المئات من عمليات الاغتيال التي وقعت في كبريات عواصم العالم خلال الأعوام الماضية.
ولو نظرنا للأمر من زاوية أخرى لوجدنا أن أجهزة أمن عربية، من بينها جهاز الأمن البحريني والسعودي،استطاعت أن تكشف عدة عمليات إرهابية وتبطلها قبل وقوعها رغم وجود تكنولوجيا البلاك بيري.
ما نريد أن نقوله إن التطور في تكنولوجيا الاتصال لم ولن يتوقف، وإن تكنولوجيا البلاك بيري هي جزء من تطور الحياة الذي لن يتوقف عند حد، وأن منعه أو عدم منعه لن يوقف الإرهاب، لأن الإرهاب لن يعدم الوسيلة عندما يريد التخطيط لعمل ما.
ولو كان منع البلاك بيري سيؤدي إلى تعجيز الجماعات الإرهابية والتقليل من خطرها، فهل سيؤدي هذا المنع إلى وقف العمليات الإرهابية التي تخطط لها أجهزة الاستخبارات في ظل ما تتمتع به هذه الأجهزة من وسائل لا يعرفها الناس وفي ظل قدرتها على إيجاد طرق تشفير خاصة لا يمكن اختراقها أو فهمها؟ ألم ينفذ جهاز الموساد التابع للكيان الصهيوني مئات العمليات القذرة قبل عملية اغتيال محمود المبحوح ومن قبل البلاك بيري؟؟