حقوق الإنسان القاتل

حقوق الإنسان القاتل

لم يتفتق ذهني عن أفضل من هذا العنوان بعد أن تابعت ما حدث وما نشر وما قيل حول القضية التي سميت بقضية المعامير، التي أدين فيها سبعة من المتهمين لقيامهم بحرق سيارة شيخ باكستاني يبلغ الثامنة والخمسين من عمره والتسبب في موته.
فقد تابعنا كيف قام البعض بأعمال حرق وتخريب احتجاجا على هذا الحكم، وكأن هذه القضية قضية سياسية وليست جنائية توافرت فيها نية العمد والإصرار على إيذاء الغير. فهل كان يريد هؤلاء من المحكمة أن تبرئ ساحة أناس ثبتت عليهم تهمة التسبب في قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض؟ وإذا ما أقنعنا أنفسنا أن الذين احتجوا على حكم المحكمة هم من أقارب هؤلاء المدانين وأن عاطفة القربى هي التي دفعتهم للقيام بما قاموا به فكيف نبرر مواقف أخرى يفترض فيها العقل والحياد اعتمادا على الدين والأخلاق والقيم الإنسانية؟
لا نقول هذا الكلام دفاعا عن القضاء البحريني؛ لأن القضاء البحريني لا يحتاج إلى دفاع من أحد ولا يحتاج لمن يبرر له، فالقضاء البحريني يعد من أنزه الهيئات القضائية في العالم، والقضاء البحريني هو رمانة الميزان لاستقرار البحرين وتقدمها.
ولكننا نقول هذا الكلام لأن جهات تصف نفسها بأنها راعية لحقوق الإنسان وشخصيات يفترض فيها العدل والإنسانية أكثر من غيرها لم تكن كذلك في موقفها من هذا الحكم.
جريدة تقول في تغطيتها (الإخبارية) لهذا الحكم ان “المحكمة ينتاب نزاهتها واستقلاليتها الكثير من الشكوك!!!”، وجهة راعية لحقوق (الإنسان) ينسب لها في نفس التغطية الإخبارية تشكيك واضح في نزاهة المحكمة، وكأن الذي قتل ليس إنسانا نهى الله عن قتله. يأسفون لقتل الباكستاني الذي لا ذنب له، وفي نفس الوقت يشككون في نزاهة الحكم ويحاولون الإيحاء بأن الباكستاني هو الذي تسبب في قتل نفسه لأنه حاول إنقاذ مبلغ من المال كان موجودا بالسيارة!!! فهل هذا من العدل؟ أي مبلغ هذا الذي سيبقيه الرجل في السيارة ويضحي بنفسه من أجله؟ لكن الشيء المحزن أن يقوم شيخ من على منبره، المخصص لنشر العدل والمبادئ وزجر المعتدين، بسكب الزيت على النار وإشعال العواطف والتشكيك في نزاهة الهيئة القضائية والزعم بأن الأحكام لا توجد عليها أدلة ثابتة، فكيف بالله تأكد الشيخ من أن الأدلة ليست ثابتة؟ هل اطلع على القضية من كافة جوانبها ودرس كل ما فيها، أم إنه الانحياز الذي لا يرضاه شرع ولا دين ضد نفس قتلت بلا ذنب؟ أليس هذا الباكستاني اخا لنا في الدين، أم إن الأخوة الدينية شعار نوظفه في أمور ونتركه في أمور أخرى؟ المحامون يحاولون إيجاد ثغرات في الحكم وإعادة المحاكمة، وهذا حقهم وهذه هي وظيفتهم حيث يبينون للمحكمة ما قد يغيب عنها لكي يتحقق العدل في النهاية، وأهل المدانين يعبرون عن عواطف القربى، ولكن عمّ يعبر الشيخ؟ وأي وظيفة يقوم بها أو غاية يريدها الشيخ من تشكيكه في هيئة أرفع وأعلى بكثير من كل تشكيك؟ فهل حقوق الإنسان تخص الإنسان القاتل فقط؟ أفيدونا يرحمكم الله…