تقرير الرقابة المالية

تقرير الرقابة المالية

ما صدر عن ديوان الرقابة شيء يدعو للفخر، ليس الفخر بالجهات التي وردت مخالفات أو ملاحظات بشأن أدائها، ولكن الفخر بجهاز الرقابة المالية وفريق العمل به، فنحن في حاجة دائمة للمتابعة والتقييم والرقابة،فبدون الرقابة، وبدون أن يعرف المخطئ خطأه، يمكن لمشروعنا الإصلاحي أن يتعرض للضرر، لأن الانحراف والفساد أو حتى سوء الأداء أو عدم الوفاء بمعايير معينة من هذه الجهة أو تلك يؤدي إلى البطء في تحقيق التقدم الذي نسعى إليه والوصول إلى ما هو مأمول تحقيقه في العام 2030.
السؤال الذي سيقوله الكتاب ويقوله جميع من يقرأ عن التقرير من أبناء البحرين ويثني على الشفافية والدقة التي يتصف بها، هو سؤال من كلمتين: ماذا بعد؟ هل سيتم التحرك لمعاقبة من يتهم بالفساد أو الإهمال أو سوء الأداء؟ أم انه يتم إرسال الملاحظات المختلفة لكل جهة على حده لكي تستخدم كخطوط عريضة للمسؤولين فيها خلال المرحلة القادمة؟ وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر وهو: ماذا لو تكرر الانحراف أو الخطأ أو الإهمال من نفس الجهة في تقريرين أو أكثر على التوالي؟
الإجابة على هذه الأسئلة هي التي ستريح المتسائلين، خاصة أن صاحب السمو رئيس الوزراء قالها واضحة انه سيتم محاسبة من يعبث بالمال العام.
وما لم تكن هناك إجراءات واضحة يتم إعلانها للجمهور تجاه المنحرفين وتجاه من تكرر انحرافهم، سيبدأ هذا التقرير المهم يفقد بريقه وحرارته في المرات القادمة ويصبح مثل التحقيقات أو الخبطات الصحافية التي تثير الرأي العام وتشغله لبعض الوقت ثم ينتهي مفعولها.
لقد لفتت نظري جزئية وردت في التقرير عن أداء المجالس البلدية الخمس، وهي أن هذه المجالس أنفقت 588 ألفا و976 دينارا على أنشطة ليست من اختصاصها ومن بين هذه الأنشطة تكريم الطلبة المتفوقين والإعلاميين والصحافيين والمتقاعدين والمؤذنين وتمويل أنشطة رياضية وترفيهية وحملات التبرع بالدم والمساهمة في مصروفات الزواج الجماعي، ودعم الأنشطة الدينية مثل حملات العمرة ومراكز تحفيظ القرآن وجمعيات دينية ومآتم.
صحيح أن المبلغ الذي ورد في تقرير الرقابة المالية ليس مبلغا كبيرا ولا يشبه ميزانيات الوزارات والهيئات الأخرى، ولكن المخالفة هي المخالفة والفساد هو الفساد مهما صغر. ولأنه من المفترض في عمل المجالس البلدية أنها جهة رقابية بدرجة ما، وأنها تعكس متطلبات الجماهير وتبين للحكومة وللمجلس الوطني الأولويات المختلفة في مجال البنية التحتية وغيرها من المجالات، فلا يجوز أن تقوم هي نفسها بارتكاب مخالفات في إنفاق مخصصاتها المالية، فليس هناك علاقة بين عمل المجالس المحلية وبين تمويل الأنشطة الرياضية والاجتماعية والدينية، لأنها ليست جمعيات خيرية ولا أندية رياضية.
وهل اكتملت كل جوانب البنية الأساسية البحرينية وتحققت كل المطالب الضرورية للناس لكي تقوم المجالس المحلية بتمويل أنشطة ترفيهية ورياضية، خاصة إذا كانت هذه الأنشطة لها هي الأخرى مخصصات من ميزانية المملكة؟
هناك بالطبع أمثلة أخرى في التقرير، وليس فقط مثال المجالس البلدية الخمسة، ولكن ما ورد بشأن هذه المجالس شيء يدعو للتعليق في حد ذاته.
وعلى أية حال فإن ما قام به رجال الرقابة المالية جهد مشكور ويستحق التقدير من الجميع.