تعريب الطب… بين الرفض والقبول

تعريب الطب… بين الرفض والقبول

لا يزال الجدل حول تعريب الطب مستمرا حتى الآن بين أساتذة الطب وممارسي المهنة، رغم أن فكرة التعريب بدأت منذ سنوات، ورغم أن الغالبية العظمى من دول العالم تقوم بتدريس الطب بلغاتها القومية.
وظل الطب يدرس باللغة العربية في جمهورية مصر العربية منذ بداية تدريسه في العام 1860 حتى العشرينات من القرن الماضي، عندما أصبح تدريسه باللغة الانجليزية بضغوط من الاحتلال البريطاني.
والسؤال الذي يشغل الكثيرين في هذا الشأن هو: لماذا لا تستخدم اللغة العربية في تدريس الطب، وهي من أكثر لغات العالم حيوية ومرونة ومن أقدر اللغات على توليد المفردات والأوصاف التي تستوعب الجديد في مجال العلوم والتكنولوجيا؟ ولماذا استخدمت إسرائيل اللغة العبرية في تدريس الطب، رغم أنها لا تحتوي إلا على 2000 مصطلح فقط؟
وأنا شخصيا لدي هذا التساؤل، ولا أرى أن اللغة العربية أساءت تعريب أي منتج علمي أو غير علمي من غيرها من لغات العالم. هذا طبعا بغض النظر عن تعريب كلمة “سندويتش” التي أتعبت أهل التعريب،فترجموها بوصف طويل جدا وهو “شاطر ومشطور وبينهما طازج”.
ونحن لا نعترض أو نتهم من عربوا السندويتش على النحو السابق، فهم لم يخطئوا من الناحية العلمية، ولكنهم اختاروا وصفا ولد ميتا ولم يستخدمه الناس إلا في سياقات تهكمية، أو ضمن المبارزات اللغوية مع بعضهم البعض.
وعلى أية حال فإن المعترضين على تعريب الطب من الأطباء والأساتذة وغيرهم، خاصة في مصر، لا يبنون اعتراضهم على أن اللغة العربية لا تصلح لتدريس العلوم الطبية، ولكنهم يستندون في رفضهم إلى أن المنطقة العربية منطقة مستهلكة وليست منتجة للأبحاث العلمية، وبناء عليه فإن عدم تدريس الطب بالإنجليزية سيجعل الدارسين والباحثين غير قادرين على الاطلاع على أبحاث الغرب التي تنشر باللغة الإنجليزية.
وهذا يأخذنا إلى سؤال آخر وهو: لماذا لا نجمع بين الشيئين معا، فنقوم بتدريس الطب باللغة العربية، وفي الوقت ذاته نقوم بإعداد مترجمين من الأطباء ممن يتصفون بالنبوغ في اللغة الأجنبية وفي الطب معا ليقوموا بترجمة ما ينتجه العالم من أبحاث في الطب حتى يتمكن غيرهم من الاطلاع أولا بأول على ما ينشر لدى الدول المتقدمة.
هذا على اعتبار أن الترجمة هي وسيلة الاطلاع على ما ينتجه الغير في كافة المجالات، وليس فقط في مجال الطب. ويؤدي ذلك إلى توسيع مجال اطلاع الأطباء والدارسين على الجديد في مجال الطب، وبدلا من أن يقضوا وقتا طويلا في الاطلاع على عدد قليل من الأبحاث – بسبب صعوبة اللغة الأجنبية – يمكنهم الاطلاع على عدد أكبر في وقت أقل. وهناك أساتذة وأطباء كبار يوصون بالبدء في تطبيق التدريس بالعربية تدريجيا، وخاصة مادتي الطب الشرعي والصحة العامة.