تركيا والداعون لعودة الخلافة

تركيا والداعون لعودة الخلافة

هل كان الموقف التركي الحالي من إسرائيل سيكون كما هو عليه الآن لو كان الاتحاد الأوروبي وافق على مطلب تركيا بالانضمام إليه؟ وما الذي حدث لتتحول تركيا إلى الحديث باسم الاسلام والمسلمين وعن المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة، وهي التي انقطعت أنفاسها جريًا وراء الأوروبيين للانضمام لهذا النادي المسيحي؟ وهل الانتهاكات الإسرائيلية لكل القوانين والشرائع مسألة جديدة تم اكتشافها خلال الأشهر الماضية؟ وهل إسرائيل بدأت فقط خلال هذه الأيام الكذب على العالم، لكي يتجلى السيد أردوغان في اتهامه لها بالكذب؟ وعندما أقامت تركيا علاقات واتفاقيات عسكرية على أعلى مستوى مع إسرائيل، هل كانت إسرائيل على الصراط المستقيم بالنسبة للحقوق الفلسطينية والعربية؟ إسرائيل دولة بنيت أصلا على الكذب،والصدق لا مجال له لديها. والمذابح التي نفذتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين مسألة متكررة، منذ مذبحة دير ياسين التي قامت فيها تلك العصابات بذبح رجال هذه القرية أمام أسرهم، وقامت ببقر بطون النساء الفلسطينيات الحوامل باستخدام أسنان البنادق. وإسرائيل قامت بذبح الفلسطينيين في مذبحة صابرا وشاتيلا، وقامت بذبح الفلسطينيين في مذبحة قانا، ولم تكن تركيا لتتبنى مثل هذا الموقف الملتهب تجاه الدولة الصهيونية.
سيقول قائل من إخواننا المبشرين الداعين إلى عودة الخلافة، أن تركيا فيما مضى كان يسيطر عليها العلمانيون، وان السيد أردوغان جاء ليغير تركيا ويعود بها إلى جذورها الإسلامية. ونرد عليه بالقول: ألم تقم تركيا بالتعاون العسكري مع إسرائيل بشكل واسع في عهد السيد أردوغان؟ ألم يتدرب الطيارون الإسرائيليون في تركيا على مهامهم العسكرية التي ينفذونها ضد الفلسطينيين واللبنانيين في عهد أردوغان؟ أين تدرب الطيارون الإسرائيليون قبل حرب غزة التي هزت مشاعر السيد أردوغان؟ وهل كان الطيارون الصهاينة يتدربون هناك ليقوموا بإلقاء عبوات من الشيكولاته على اطفال فلسطين؟
أنا لا ألوم تركيا ولا أقول هذا الكلام للتقليل من أهمية موقفها الحالي بعد ضرب إسرائيل للسفينة التركية وقتل المواطنين الأتراك، ولكن أريد أن أقول لكل الشعوبيين الذين بُحَّت أصواتهم تبشيرا بالدور التركي وبالبطل التركي القادم من التاريخ: إن المصالح هي أساس العلاقات الدولية، ولا مجال للعواطف وللخطب العنترية وتقعير الكلام الذي تطلقونه جلدا لكل العرب صباح مساء، فتركيا شأنها شأن كل دول العالم تسعى إلى تحقيق مصلحة شعبها، ويسعى سياسيوها للنجاح في الانتخابات ككل السياسيين في العالم، والجيش التركي لن يكون إلا للدفاع عن تركيا.
رئيس الوزراء التركي قال إن العلاقات التركية الإسرائيلية لن تعود لسابق عهدها، ووزير الخارجية التركي قال إنه ما لم تقبل إسرائيل بلجنة دولية للتحقيق في ضربها لسفن “الحرية” فلن يكون هناك تطبيع في العلاقات مع إسرائيل، فهل هذا يعادل ملايين الدولارات التي قدمتها دولة الكويت للفلسطينيين على مر تاريخ القضية؟ولا نقول البحرين، ولا نقول غيرها من الدول العربية.
مرة اخرى نؤكد ان تركيا ليست مسؤولة عن مأساة الفلسطينيين، إلا من زاوية وحدة الدين ومن زاوية الإنسانية، ونؤكد أن من حق تركيا أن تتخذ من السياسات ما يحقق مصلحتها، ومن حقها ان تمارس الدعاية وتنفذ حملات علاقات عامة لتقديم نفسها في ثوب جديد للعالمين العربي والإسلامي، ولكن ما يقوم به بعض الإعلاميين العرب من تضخيم للدور التركي هو أمر غير منطقي، ولا يبرهن إلا على شيء واحد، وهو أننا نحن العرب يبهرنا الكلام والخطب ونبني مواقفنا على هذا الأساس.