“بي بي سي” والابتعاد عن المهنية

“بي بي سي” والابتعاد عن المهنية

جميع وسائل الإعلام لها أجندات خاصة ولها أهداف محسوبة تسعى إلى تحقيقها خدمة لجهة أو دولة معينة، أو طبقا لما يريده صاحب أو أصحاب التمويل لهذه الوسيلة أو تلك، والكثير من هذه الوسائل تعمل على تحقيق المصلحة العليا لبلادها مهما اصطدم ذلك مع ما يسمى بالمهنية، أما مسألة الحياد الكامل في مضامين هذه الوسائل فهي أكذوبة قد برهنت عليها الدراسات العلمية التي تناولت مضامين أكثر هذه الوسائل مكانة وشهرة في العالم.
إلى جانب ذلك هناك مشكلة أخرى تؤثر على الإعلام الغربي، خاصة محطة “بي بي سي” وهي أنه يعتمد في تعامله مع القضايا العربية على صورة نمطية عامة، تشمل جميع الدول العربية، وبالتالي يكون لديه دوما أحكاما مسبقة، ولا يضع أي اعتبار لتجارب عربية مستجدة تستحق الاحترام في كافة المجالات.
الصورة النمطية التي تعتمد عليها قناة “البي بي سي” هي أن كل الحكام العرب أباطرة وكل الانتخابات العربية مزورة وكل التجارب الديمقراطية فاشلة، وهي صورة تظلم البحرين إلى حد بعيد لأن البحرين حققت الكثير في مجال الديمقراطية والحكم الرشيد، وحققت الكثير في مجال إطلاق الحريات وفي مجال العدالة الاجتماعية.
وقد كان أداء قناة “البي بي سي” البريطانية خلال المظاهرات التي انطلقت في البحرين الأيام الماضية دليلا واضحا على عدم الحياد في التناول الاعلامي، حيث جاءت تقارير هذه القناة بعيدة عن المهنية وعكست عداء واضحا ورغبة في تصعيد الأحداث ودفع الأمور للأسوأ، لأن محتوى البرامج التي قدمتها كان منحازا على مستوى الكم والكيف على حد سواء. فمن ناحية الكم كان تركيز القناة فقط على شخصيات محددة لا شأن لها ولا مكانة على الساحة البحرينية، أفردت لها المساحات الزمنية لكي تعبر عن وجهة نظرها، وكأن البحرين ليس فيها سوى بعض الخارجين عن القانون المقيمين في لندن من أمثال مشيمع زعيم حركة حق المنشقة التي تتخذ من العنف والتخريب وسيلة لتحقيق أهدافها، وكذلك عمران الموسوي، وسعيد الشهابي وغيرهم ممن لا يمثلون شريحة تذكر في الشارع البحريني، ولم تستضِف القناة، التي تدعي المهنية، من المحسوبين على الجانب الحكومي سوى النزر البسيط.
ونسيت القناة البريطانية أن في البحرين شريحة أخرى لها رأيها فيما يحدث، ولها أيضا مصالحها التي تريد المحافظة عليها، وبالتالي تعاملت مع الأزمة وكأن لها طرفين فقط، هما الحكومة والمجموعة المحتجة، أما بقية أبناء البحرين فلا مكان لهم في مساحة الرأي التي تخصصها القناة للتعامل مع المسألة البحرينية.
ربما تدعي البي بي سي أنها تركز فقط على ما هو موجود في الميدان وما هو موجود في قلب الحدث وتتعامل معه ولا تتعامل مع الصامتين الذين لا يسعون لرفع صوتهم إلى العالم وعرض مظالمهم، ولكن حتى هذا الادعاء ليس له ما يؤيده، لأن القناة المذكورة تجاهلت مشهدا ميدانيا غاية في الأهمية، وهو مشهد الحشود التي خرجت تطالب بعكس ما يطالب به الآخرون الذين أفردت لهم القناة المساحات الزمنية وغلبت رأيهم على رأي غيرهم، فضلا عن المسيرة التي خرجت أمس الأول تأييدا لرئيس الوزراء.
لماذا تغافلت القناة المذكورة عن هذه الحقيقة، إذا كانت تدعي المهنية وعدم الانحياز لطرف ضد آخر؟ لا يوجد سبب لذلك سوى أن هذه القناة تسعى لإشعال الفتنة في البحرين عن طريق دعمها للفئة المحتجة ودفعها للاستمرار في العنف والخروج على القانون.