“الوفاق” وسياسة الابتزاز

“الوفاق” وسياسة الابتزاز

يعد القضاء وأحكامه في كافة الدول، وفي مقدمتها الدول العريقة في الديمقراطية، خطا أحمر لا يجوز أن يتعداه احد تحت أي ظروف، ولا يجوز لأي فرد أو جماعة أو حزب أو هيئة أن يعلق على أحكام القضاء أو يتهكم عليها أو يشكك فيها مهما كانت الأسباب، ومهما كانت المظالم، وتتشدد غالبية الدول في التصدي لجريمة عدم احترام القضاء وتجعلها جريمة لا تسقط بالتقادم.
هذا الوضع الخاص الذي تنص عليه قوانين الدول بشكل واضح، لا يتم إعطاؤه للقضاء وأهله كميزة فئوية لصنف من البشر، ولا يتم إعطاؤه لهم لأنهم أرفع شأنا من غيرهم من الناس أو لأنهم لا يخطئون، فكل البشر خطاؤون، والقاضي ليس إلها يعلم الغيب، ولكنه بشر يحكم بما يصل إليه من أدلة ومعلومات وشهادات.
ولكن تحصين القضاء ومنع التعرض له أو الاستهزاء به، هو تحصين للمجتمع كله، لأن النيل من القضاء هو هدم لحصن العدالة في أذهان ونفوس المواطنين، كحصن أخير ومحترم لديهم، وهذا من أخطر ما يصيب مجتمعا من المجتمعات لأن تشويه العدالة يؤدي بأجيال كاملة إلى الانحراف والإرهاب، ويؤدي بالمجتمع إلى الفوضى والتمرد على كل شيء.
جمعية الوفاق البحرينية أرادت أن تمارس هوايتها في الابتزاز عن طريق الضغط والتشويه والتحريض على هذه الجهة أو تلك، ولكنها أخطأت العنوان على ما يبدو هذه المرة، لأن تعرضها للقضاء البحريني المشهود له بالنزاهة يعتبر جناية يعاقب عليها القانون، ولا يجوز للوفاق ولا لغيرها أن يتعرض للقضاء البحريني مهما كان السبب.
الأشد والأنكى في موقف الوفاق من القضاء البحريني، هو أنها لم تكتف بإصدار بيان مسيء لجهة لها قداستها واحترامها الذي يكفله القانون، ولكنها أوصلت الأمر إلى البرلمان المنتخب الذي يفترض أنه الأحرص على احترام التشريعات والقوانين، وليس على الإساءة لقوانين البلد وقضاته.
لابد أن يعرف الجميع أن الساحة المناسبة لعرض المظالم أو تفنيد الأحكام أو الطعن عليها هي المحكمة وليس أي مكان آخر، حتى إن كان هذا المكان هو البرلمان، وإلا عمت الفوضى وتحول الجميع إلى قضاة يحكمون بما يريدون، ولأصبح الابتزاز من أيسر السبل للفرار من العدالة وسحق القوانين.
وارد جدا أن تتغير الكثير من الأحكام خلال مراحل التقاضي المختلفة من محكمة إلى أخرى أو من دائرة إلى أخرى، ولكن الأمر برمته يكون داخل ساحات القضاء وفق خطوات وأدوات وشروط كفلها القانون للجميع،ولكن هذا لا يفرض على ساحة القضاء من جهة خارجها بالضغط والتشويه وممارسة الابتزاز على طريقة جمعية الوفاق.
ليس حقا خاصا للقضاء البحريني وحده أن يتصدى لمحاولات النيل منه وابتزازه، ولكن هذا التصدي حق للمجتمع البحريني كله، لأن ضرب العدالة هو ضرب للمجتمع بأكمله، ولابد أن تكون هناك خطوات واضحة وحاسمة في هذا الشأن.
قرأنا عن أحكام قضائية رادعة صدرت بحق صحافيين تعرضوا بالنقد والتهكم على أحكام القضاء في أعرق الدول الديمقراطية ومن بينها الولايات المتحدة التي يتمتع الإعلام فيها بحرية ليس لها نظير، لأن هذه الدول تعلم أن التشكيك في أحكام القضاء وتحريض الناس على عدم احترامها، هو الوصفة السحرية المضمونة لإعادة أي مجتمع إلى شريعة الغاب.
زبدة القول:
لا يجب أن يسمح للوفاق أن تكون فوق القانون، ولا يجب أن تتصرف كدولة داخل الدولة.