النفس العربية المنكسرة

النفس العربية المنكسرة

السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية سياسي ذو سمات خاصة تجعله شخصا مختلفا عن غالبية الدبلوماسيين وأصحاب المناصب السياسية الكبيرة، خاصة في العالم العربي، حيث تجد أصحاب المناصب يحرصون أولا على عدم الخروج السريع من مناصبهم التي وصلوا إليها،وتجدهم يستعدون كثيرا قبل أن يواجهوا وسائل الإعلام؛ حتى لا يقولون جملة تكون سببا في تركهم للكرسي، وبالتالي يتحول غالبية المسؤولين إلى نسخ مكررة من بعضهم البعض.
عمرو موسى منذ كان وزيرا للخارجية في جمهورية مصر العربية وهو يحتفظ لنفسه بكاريزما معينة وقبول من قطاعات كبيرة من الجماهير، رغم أنه ابن من أبناء النظام الحاكم في مصر، منذ أن كان سفيرا، وحتى أصبح أمينا عاما للجامعة العربية.
ذلك لأن هذا الرجل يحب أن يكون قريبا دائما من الجماهير، ولا يحب أن يهين ذكاء الناس ومشاعرهم، وهو على العكس من غيره لا ينفصل عن الواقع وعن الحقائق الواضحة وضوح الشمس، ولا يبيع الناس شعارات وتعابير سيريالية غير مفهومة عن التقدم والتنمية والمستقبل الأفضل وربط الأحزمة والخروج من عنق الزجاجة وغيرها من المسبوكات اللغوية العربية التي طالما صبت في آذان الجماهير العربية دون أن يحدث أي شيء على أرض الواقع.
عمرو موسى قال أمام القمة العربية الاقتصادية التي عقدت في شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية: “ليس بعيدا عما يدور في أذهان الجميع أن النفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة والتراجع العام في المؤشرات الحقيقية للتنمية، والتي تزخر بالإشارة إليها تقارير دولية وتقارير الأمم المتحدة بصفة خاصة”.
طبعا السيد عمرو موسى لا يذيع سرا عندما يقول إن النفس العربية منكسرة، ولكن المهم في الأمر أن المتحدث هو الأمين العام لأكبر منظمة عربية، والمهم أنه يتحدث بهذا الشكل في محفل عربي رسمي يضم قادة ونوابا ورؤساء وزراء من غالبية الدول العربية.
السيد عمرو موسى رأى أن هذا هو المحفل المناسب الذي يجب أن يتحدث فيه بكل صراحة عن معاناة المواطن العربي، فإذا لم يتم طرح الهموم الحقيقية للمواطن العربي في مؤتمر عنوانه اقتصادي، فأين ستطرح هذه الهموم؟ وإذا لم يعلن صراحة عن انكسار النفس العربية بالفقر والبطالة أمام القادة العرب، فأمام من سيطرحها؟
وكان بوسع عمرو موسى أن ينأى بنفسه عن مثل هذه التعابير المحرجة ويتحدث عن المستقبل المشرق للتعاون الاقتصادي العربي الذي لم يسبق له مثيل!!
الكثير من المسؤولين والوزراء العرب في حاجة للحظات مشابهة للصدق مع النفس ليطرحوا القضايا خلالها بشكل صادق وعلمي، بعيدا عن أي مجاملة أو حرص على الكراسي.
ورغم أن الثورة الشعبية التونسية قامت وكبرت في دقائق دون قيادة معروفة ودون دعم خارجي ودون تسليح خارجي أو داخلي، ودون شيء سوى حناجر هتفت، وسواعد رفعت، وصدور واجهت الرصاص، إلا أن الكثير من المسؤولين العرب لا يزالون يستخدمون تعابير سياسية تعود للقرن الثامن عشر، ويقولون إن الوضع في تونس يختلف تماما عن الوضع في بلدانهم، وإنه لا سبيل لتكرار ما حدث هناك في تونس في بلدانهم، وكأن الجوع في تونس يختلف عن الجوع في غيرها، وكأن الكبت في تونس يختلف عن الكبت في غيرها… عجبي!!