النائب القصاص والنائب خالد الذكر

النائب القصاص والنائب خالد الذكر

القصاص (بفتح القاف وتشديد الصاد) في لغة المصريين هو ذلك الحلاق الذي يقوم بقص شعر الحمير مقابل المال أو مقابل بعض الذرة والقمح حسبما يجود صاحب كل حمار، ويمكن أيضا إطلاق نفس الاسم على مؤلف القصص، سواء كان هذا صحيحا في العربية الفصحى أم لا.
ومن المعروف أن كثيرا من أسماء المهنة قد تحول إلى أسماء علم مع بداية تدوين الدول لأسماء المواطنين، فأصبحنا نسمع مثلا اسم “خالد النجار” لأنه كان نجارا في الأساس، أو نسمع فلانا القصاص أو الحطاب.
وقد لا تكون هذه القاعدة صحيحة دائما، فهناك كثير من الأسماء في عالمنا العربي لا يمكن لأي شخص أن يصدق أن ثمة علاقة مطلقا بين هؤلاء وبين دلالة ألقابهم المعبرة عن مهنة، فهناك رجال دين وأدباء يحملون اسم القصاص، وهناك النائب البرلماني المنتخب الذي يحمل لقب القصاص في مجلس الشعب المصري الذي بلغت شهرته الآفاق خلال الأيام الماضية، فقد تفوق هذا القصاص على نائبنا العندليب ورفيقه البرقوق، بل وتفوق أيضا على نائبنا خالد الذكر، الثائر دوما من اجل ضرورة تحريم الخيار والكرفس.
النائب القصاص أصابته حالة من التجلي كتلك التي أصابت كثيرا من النواب مع اقتراب موسم الانتخابات البرلمانية، ولكنها حالة لم نسمع بمثلها منذ جاء أول برلمان مصري إلى الوجود في عام 1866، بل منذ مؤامرة البارود في البرلمان الانجليزي.
مسكين كانت نيته حسنة وأراد أن يكسب رضا الحزب الحاكم بالضربة القاضية لكي يأتي إلى البرلمان مرة أخرى، ولكن الضربة القاضية ارتدت إليه فأسقطته، ولا يعلم أحد هل سيستطيع النهوض من جديد أم لا.
الحكاية باختصار أن النائب القصاص (بفتح القاف وتشديد الصاد) وليس نائب القصاص (بكسر القاف وفتح الصاد) قد طالب وزارة الداخلية بحرارة شديدة أن تقوم بإطلاق النار على المتظاهرين والمعتصمين المطالبين بتحسين أحوالهم المعيشية، لتخليص البلاد من شرورهم.
هذا المطلب القصاصي – الذي يجعلك على الفور تتذكر حادثة منتظر الزيدي مع الرئيس جورج بوش- قد أصبح مادة خصبة لجميع الصحف ولكثير من القنوات الفضائية على مدى الأيام الماضية. وكان لا بد أن يتبرأ الحزب الحاكم من تجليات النائب القصاص، بل إنه بدأ تحقيقا في الأمر كمقدمة لاستخدام القصاص ككبش فداء لإرضاء الجماهير الغاضبة. كما كان من أهم نتائج مطلب القصاص أنه عندما عاد إلى دائرته وجد آلافا من الجماهير تستقبله وهي رافعة أحذيتها في الهواء.
ولكن الحق يقال إن أحدا من نوابنا في البحرين لم يقدم على ما أقدم عليها القصاص، ولم يطالبوا مطلقا بإطلاق النار على المتظاهرين، لأنه من غير المنطقي أن يطالبوا بإطلاق النار على أنفسهم.
إن كل ما حدث لدينا هو أن بعض النواب قد أصابتهم بعض التجليات عندما شعروا أن مجيئهم للبرلمان قد أضحى مستحيلا، ومن بينهم النائب خالد الذكر الثائر دوما الذي لم يقدم سوى الخطب النارية والسعي لتحويل البرلمان إلى دار للفتوى، وكأن الناس قد انتخبوه من أجل تحريم الخيار والموز واتفاقية التجارة الحرة!
صحيح أن النائب خالد الذكر قد حركته نفس الدوافع التي حركت النائب القصاص مع اختلاف التكتيك والوسيلة فقط. فالنائب القصاص “أراد أن يكحلها فأعماها” كما يقول المثل، فجامل الحكومة وأهان الشعب، فكان جزاؤه أن لفظه الاثنان معا، أما النائب خالد الذكر فلا يمكن أن يقول كما قال القصاص، ولا يمكن أن يرتمي إلا في أحضان الشعب. ولكن لا تدري هل سيفتح له الشعب أحضانه من جديد أم إن عليه أن يحمل عصاه ويرحل؟!