المسلمون والمسيحيون منذ 15 قرنا

المسلمون والمسيحيون منذ 15 قرنا

قبل أيام قليلة اقامت جامعة الشيخ زايد في أبوظبي ندوة غاية في الأهمية عن العلاقات بين المسيحيين العرب والمسلمين في الدول العربية على مدى خمسة عشر قرنا من الزمان والتعايش بينهما ووقوفها معا خلال محطات تاريخية مختلفة وحرجة ضد محاولات النيل من الوطن الذي يجمع بينهما بفضل الاندماج والمحبة والولاء للوطن الواحد.
الذين شاركوا في هذه الندوة من رجال الدين المسلمين والمسيحيين أبدوا قدرا كبيرا من الود والرغبة في إرضاء بعضهم البعض واستخدموا عبارات وأحداثا تدعوا إلى الحب والتقارب بين المسلمين والمسيحيين.
ما تفضل به هؤلاء العلماء الأفاضل من الطرفين برهن على عدة حقائق، أهمها ان محاولات استخدام الملف الطائفي لدول المنطقة من قبل القوى الخارجية ليس وليد اليوم، ولكنه طالما استخدم من أجل هز استقرار دول المنطقة والتدخل في شؤونها تحت ذريعة حماية الأقليات.
ولكن هؤلاء العلماء أثبتوا – دون قصد بطبيعة الحال – أن هناك فجوة كبيرة جدا بين أفكارهم وأطروحاتهم ومساعيهم النبيلة، وبين أفكار وأطروحات الغالبية العظمى من الشباب المسلم والمسيحي على حد سواء، واقصد هنا شباب الانترنت و»الفيس بوك» الذين وصلوا إلى حد بعيد من التطرف الذين يتلقفون كل حادثة صغيرة ويقومون بتمريرها بعد تضخيمها إلى كل أركان الأرض. وهناك بالطبع جهات أجنبية كثيرة مندسة بين هؤلاء الشباب (إن صح هذا التعبير) تقوم بصب الزيت على النار لإشعال نار الطائفية في أركان الوطن العربي كله.
لو كان هناك ارتباط وتواصل بين هؤلاء العلماء وبين الشباب من الطرفين، لتم قطع الطريق على كل من يحاول حرق البلاد العربية والإسلامية بغول الطائفية البغيض.
فكم من الشباب المسيحي والمسلم يعرف ما قاله العلماء في ندوة أبوظبي، من أن المسلمين أنصفوا المسيحيين بعد الفتح الإسلامي، وأن المسيحيين فرحوا بهزيمة الصليبيين الذين أتوا كغزاة يتخذون الصليب شارة لهم.
أعتقد أن الغالبية العظمى من الشباب – وقد كنت منهم – لا يعرفون ما قاله نيافة القمص إسحاق راعي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس بأبوظبي عن موقف بطريرك الأقباط البابا بطرس الجولي عندما أرادت روسيا القيصرية التدخل في شؤون مصر عن طريق الأقلية القبطية وأرسلت أحد أمرائها ليفاوض البابا حول ضرورة وضع الأقباط تحت حماية قيصر روسيا، ضمن مخطط روسي لبسط النفوذ في المنطقة كلها.
كان موقف البابا في هذه الحادثة درسا كبيرا يجب أن يعرفه كل الشباب، ولكن كيف يعرفوه وهم منفصلون تماما عن هذا النوع من العلماء العقلاء.
البابا سأل الأمير الروسي سؤالا سبب له صدمة لم يتوقعها: هل يحيا قيصركم للأبد ولا يموت؟ فقال له: لا، فهو بشر يموت ككل البشر. فقال له البابا: إذا أنتم تعيشون في حماية ملك يموت، ولكننا نعيش في حماية ملك لا يموت.
ولما علم محمد علي بما جرى، توجه بنفسه إلى دار البطريركية ليقدم تقديره وشكره الخاص إلى البابا فأجابه البابا لا تشكر من قام بواجبٍ عليه نحو بلاده، فرد عليه محمد علي والدموع تنهمر من عينيه: لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك فليكن لك مقام محمد علي بمصر، ولتكن لك مركبة معدة كمركبته.
كم منا يعرف ما قاله الداعية الإسلامي الحبيب علي زين العابدين الجفري، المؤسس والمدير العام لمؤسسة طابا للدراسات الإسلامية، في كلمته في نفس الندوة، الذي استشهد بموقف الشيخ إبراهيم الباجوري، شيخ الأزهر الأسبق، ورفضه الانصياع لرغبة عباس حلمي حاكم مصر في طرد الأقباط إلى السودان، قائلاً: إن النصارى من أهل البلاد وأصحابها، ومن ناحية الدين فهم في ذمة الإسلام إلى اليوم الآخر، ولا يجوز إلحاق أدنى أذى بهم.
فهل يمكن أن ينقل هذا الكلام الجميل إلى الانترنت وإلى المنابر والمدارس؟ وهل يصمد هؤلاء العلماء أمام الغزو الجديد الذي يستهدف الأمة؟