الكتلة الاقتصادية في مجلس النواب

الكتلة الاقتصادية في مجلس النواب

كان من المتوقع أن يكون لرجال الأعمال مكان خلال مجلس النواب الجديد، بعد غياب شبه تام عن المجلس السابق. ولا شك أن بلدا كالبحرين لابد أن يكون لأهل الاقتصاد مكان في مجلسها النيابي؛ لأن هؤلاء يشكلون شريحة مهمة داخل المجتمع البحريني ويعدون مكونا مهما وضروريا في بناء اقتصادها وتحقيق تقدمها.
وقد نشرت الصحف المحلية الأيام الماضية أن من حالفهم التوفيق في الجولة الأولى من أهل المال والاقتصاد يبحثون فيما بينهم تشكيل كتلة نيابية على غرار بقية الكتل النيابية الموجودة، وهذا حقهم الطبيعي، فالتكتلات تكون قادرة على فرض وجودها وصنع التأثير ووضع البصمة داخل المجلس النيابي أكثر من النواب الذين يعملون منفردين. فالنائب المستقل قد يكون مخلصا ووفيا لجماهيره ويؤدي أداء حسنا داخل البرلمان، ولكنه يكون محدود التأثير عندما يكون في مواجهة مع كتلة بكاملها، خاصة وأن البرلمان البحريني على وجه الخصوص يقوم على التكتلات والفئات.
وإذا كان التكتل يقوم على خلفية اقتصادية بحتة، بعيدة عن الانحيازات الطائفية التي تغتال العمل البرلماني وتحوله إلى مبارزات وخطب شعبوية تخاطب عواطف الجماهير الموالية دون سعي حقيقي لتحقيق مصالح هذه الجماهير، فهذا أمر مرحب به دون أدنى شك.
ولكن السؤال الذي يمكن أن يشغل المواطن البحريني في هذا المقام، هو: ما معنى وجود تكتل اقتصادي داخل البرلمان؟ هل المقصود هو أن هذا التكتل سيركز على القضايا الاقتصادية وكيفية النهوض باقتصاد البحرين وبأحوال المواطن البحريني ودعم الخطط الاقتصادية المستقبلية الساعية إلى نقل البحرين إلى مرحلة جديدة في النواحي الاقتصادية، بما يوفر فرص العمل ويحقق الرفاهية للبحرينيين خلال السنوات القادمة وبما يتوافق ويدعم خطط وسياسات مجلس التنمية الاقتصادية التي تم صياغتها ضمن الرؤية الاقتصادية 2030؟ إذا كان الأمر كذلك فهذا هو الذي نريده، وهذا هو الذي تحتاجه البحرين؛ لأن البحرين تحتاج خلال المرحلة القادمة رجالا يعملون ويصنعون المستقبل، وليس رجال يتبارون في تعميق الخلافات وتقسيم الوطن.
لقد قرأت ذات مرة مقولة للكاتب الإنجليزي الساخر «جوناسون سويفت» أن من يزرع حبة من الذرة لينتج منها ثمرة كاملة فيما بعد، هو في الواقع يخدم البشرية أكثر من جيل كامل من رجال السياسة».
ليس معنى هذا أن كل رجال السياسة أشرار ولا يخدمون البشرية، ولكن «سويفت»، والله أعلم، ربما قصد صنفا معينا من رجال السياسة ممن يبيعون للناس الأوهام، ويسخرون كل شيء لخدمة أهدافهم الانتخابية ويكذبون على الجماهير؛ لكي يتمتعوا بمقاعدهم التي أجلسهم عليها الجمهور أطول وقت ممكن.
البحرين خلال المرحلة القادمة تحتاج من يبني للأجيال القادمة ويضمن لها اللقمة والتعليم والعلاج، وتحتاج من يصنع لها تقدمها، وليس من يسعى لأهداف فئوية ضيقة خلال دورة برلمانية كاملة.
هذا هو التصور الذي نتمناه للتكتل الاقتصادي الجديد، ولكن إذا كان التكتل الاقتصادي يقصد به العمل من خلال البرلمان على حماية مصالح شريحة معينة من رجال الأعمال وأصحاب المال من خلال السعى لسن القوانين التي تدعم هذه المصالح والتصدي للقوانين التي قد تضر بها، مهما اصطدم ذلك مع مصلحة ولقمة السواد الأعظم من أبناء الشعب، فهذا هو ما لا نريده ولا تحتاجه البحرين؛ لأن هذا سيعني أننا نستبدل الطائفية بمفهومها المقيت الحالي بطائفية من نوع جديد.