القضية والتطبيع

القضية والتطبيع

من أكبر الأخطاء التي طالما ارتكبها العرب في تاريخ القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى الآن هو الانحياز لهذا الطرف الفلسطيني أو ذاك عند وقوع خلاف أو شقاق. فهذا الانحياز عند كل شقاق فلسطيني أصاب القضية الفلسطينية في تقديري الشخصي بكثير من النكبات. فهذا الانحياز، مع أو ضد طرف فلسطيني لو تم تحليله بعمق وروية لوجدنا أنه ينطوي على كثير من المزايدة وتصفية الحسابات السياسية حسب طبيعة الكلاش السياسي الدائر داخل كل دولة عربية على حدة، وحسب درجة التنافر والعلاقات الصراعية بين هذه الدولة العربية وبين دولة عربية أخرى.
ومن أكثر المحطات التي ظهرت خلالها هذه الحالة العربية العجيبة بوضوح، ذلك الشقاق المرير بين الفصيلين الرئيسين “فتح” و”حماس”، حيث الانقسام العربي على أشده، ليس فقط على على مستوى الحكومات، ولكن على مستوى الشعب العربي الواحد.
هذه الحالة لا تفيد القضية الفلسطينية لا من قريب ولا من بعيد، ولا تؤدي إلا إلى تعميق الشقاق بين الأطراف، خصوصا وأن البعض يصل في انحيازه إلى درجة من التطرف تصل إلى حد تخوين الآخر ورفض كل ما يصدر عنه والتشكيك في جميع مواقفه بلا استثناء واستخدام لغة تفتقر إلى اللياقة السياسية وتنسف تاريخ مناضلين لهم تاريخهم. فحتى الزعيم التاريخي العظيم ياسر عرفات لم يسلم من محاولات التشكيك والإساءة.
وقد كان من نتائج هذه المواقف العربية أن تأجلت أو فشلت كل محاولات التوفيق بين “فتح “وحماس”.
والشعب البحريني، رغم تاريخه القومي ودعمه المطلق للقضية الفلسطينية واستعدادِه الدائم لبذل كل ما يملك دعما للشعب الفلسطيني الشقيق، إلا أن جماعات بحرينية معروفه كثيرا ما تفتقد اللياقة في تناولها لقضايا الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني وتقوم بتخوين وسب طرف دعما لطرف آخر. ورغم ثقتنا في إخلاص هذه الجماعات للشعب الفلسطيني وقضيته، إلا أننا نختلف معهم. فالانحياز والتشكيك بهذه الطريقة يؤخر كل محاولات التوفيق وينخر كالسوس في جسد القضية برمتها.
نحن في البحرين قطعنا بعضنا تقطيعا، واستنفدنا كل مفردات الشتيمة ضد بعضنا بعضا لأن فريق كرة القدم البحريني سيلعب مباراة مع شقيقه الفلسطيني، على أرض فلسطينية، وبين جمهور بحريني، وشرطة فلسطينية، كما أعلن مسؤول حكومي فلسطيني وهو السيد جبربيل الرجوب، رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، الذي زار البحرين قبل أيام والتقى نظيره البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة.
السيد الرجوب والشيخ سلمان بن إبراهيم، عندما أعلنا أن المباراة ستقام بعد حين، لم يكونا أقل وطنية وأقل حماسةً للقضية الفلسطينية من الذين اعتبروا هذه المباراة نكبة جديدة وملأوا الدنيا ضجيحا وعويلا وتعاملوا مع ضيف البحرين بما لا يليق بالكرم البحريني المعروف.
لا يجب أن يغضب البعض إذا قلنا إن موقفهم المندد بإقامة مباراة كرة بين فريقين عربيين، بتنسيق حكومي متبادل، وبرغبة رسمية فلسطينية، يندرج ضمن المواقف الداعمة لطرف فلسطيني على آخر والتنديد بكل ما يصدر عن هذا الآخر من أقوال وأفعال.