الفساد… والجوع… والثورة

الفساد… والجوع… والثورة

في الكويت أمر سمو الأمير بصرف مكرمة أميرية بقيمة 1000 دينار لكل مواطن كويتي حتى مواليد 1/2/2011، وذلك بمناسبة الذكرى الـ 50 لاستقلال الكويت والـ 20 للتحرير ومرور 5 سنوات على تولي سموه مسند الإمارة، وصرف مواد غذائية بالمجان لكل حاملي البطاقة التموينية من 1/2/2011 حتى 31/3/2012.
وفي سوريا أمر الرئيس بشار الأسد بزيادة ما يسمى في سوريا بمعونة التدفئة بنسبة 72 %.
وفي مصر اجتمع ما يسمى بمجلس الدفاع الأعلى، وهو الدائرة الأضيق المحيطة بالرئيس حسني مبارك،وقرر وقف أي زيادات مقترحة في أسعار السلع والخدمات وأوصى بضرورة توقف الوزراء عن إطلاق التصريحات التي تثير غضب الناس اثر ورود تقارير مهمة تبين أن عشرين بالمئة من الشعب تعيش تحت خط الفقر واستعداد قطاع كبير من الناس لهز استقرار الدولة.
ومن قبل ذلك استجابت الجزائر بدرجة ما لبعض مطالب الجماهير الغاضبة هناك وخفضت أسعار بعض المواد الضرورية.
كل هذا يبين وجود درجة معينة من درجات القلق لدى كثير من الحكومات العربية من إمكانية تكرار التجربة التونسية في دول أخرى، خاصة في ظل الثورة الاتصالية الهائلة التي نعيشها حاليا وتسمح بنشر الدعوات وتجييش الأنصار خلال دقائق معدودة، وفي ظل عدم القدرة على محاصرة بعض الشخصيات أمنيا ومنعها من ممارسة التأثير على غيرها من الناس.
ولو أجرينا استقصاء علميا محايدا على عينة من الشعوب لوجدنا أن هناك حالة انبهار وتأييد للشعب التونسي ورغبة في تكرار ما قام به التونسيون في دول أخرى. وقام مواطن مصري قبل أيام بإشعال النار في نفسه أمام مجلس الشعب المصري، ومن قبله مواطن جزائري، كنوع من المحاكاة لما حدث في تونس، وسعيا لإطلاق شرارة أولى لما هو أكبر.
والخوف كل الخوف أن تتكرر التجربة التونسية في دولة عربية ثانية، لأن هذا سيؤدي إلى مد ثوري في كافة أرجاء الوطن العربي. ويمكن أن تتحول المسألة من مجرد احتجاج على ارتفاع الأسعار إلى موضة ورغبة في المحاكاة.
الحكومات العربية التي اتبعت نموذج الخصخصة ونظام السوق الحر تقليدا للغرب ذبحت شرائح كبيرة من أبناء شعوبها، ليس لأن هذا النموذج فاشل، ولكن لأن هذه الدول لم تحاكي كل ما يحدث في الغرب ولم تضع أي اعتبار للبعد الاجتماعي لأي سياسة اقتصادية تتبعها. ففي الغرب يتم منح العاطلين إعانة بطالة تزيد أحيانا على رواتب الكثير من الموظفين العرب، وبالتالي لا يصل المواطن في هذه الدول إلى حد الجوع كما يحدث في كثير من الدول العربية.
وإلى جانب إغفال البعد الاجتماعي في الكثير من السياسات الاقتصادية العربية، هناك غول الفساد المستشري في الكثير من هذه الدول الذي وصل إلى حد تهديد بقاء الحكام في أماكنهم.
والحمد لله أن ثورة تونس وقعت قبل أزمة غذاء منتظرة وموجة جديدة من ارتفاع الأسعار خلال الفترة القادمة كما أعلنت إحدى المنظمات الدولية، لأن ذلك يعطي الفرصة لكثير من الدول العربية لكي تراجع سياساتها وتمنع الشر قبل وقوعة.
وفي رأيي الشخصي ان النظام الذي ينجح خلال الفترة القادمة في قطع رأس الفساد هو الذي سيتمكن من ترسيخ بقائه ومنع اي قلاقل يمكن ان تهز استقراره واستقرار بلاده، لأن الفساد لم يعد عدوا للشعوب العربية وحدها، ولكنه أصبح أخطر عدو يهدد بقاء الكثير من الأنظمة لأنه السبب الرئيسي للجوع، والجوع هو أهم وأصدق أسباب الثورة.