الضجة حول أملاك الدولة

الضجة حول أملاك الدولة

قضية أراضي الدولة والاعتداء عليها هي موضوع الساعة في البحرين هذه الأيام. فمجلس النواب فوق صفيح ساخن، والمناقشات والمزايدات والتوظيف على أشده، وسخونة الجلسات والخروج عن النص والخروج عن المألوف يدفع بالمسئولين عن التلفزيون إلى وقف بث الجلسات من باب احترام جمهور المشاهدين وعدم إدخال التعبيرات والمناقشات غير المنضبطة إلى بيوت الناس. والصحف تكتب والنقد والتهكم على أشده، دون رد حكومي شاف لأحد. هذه هي الصورة كما نراها في بحريننا هذه الأيام.
صحيح أن بعض الجمعيات والشخصيات تستخدم هذا الملف وغيره استخدامًا انتخابيًا محضًا وتسعى لإثارة الجماهير وسكب دموع التماسيح على كل صغيرة وكبيرة، وصحيح أيضا أن هناك من يمارس التضليل والتشويش على هذا الملف من أجل مصلحته الخاصة،ولكن هذه الصورة تحتم على الحكومة البحرينية التعامل مع هذا الملف بشكل مختلف بعيدا عن الكلاش السياسي والتوظيف الانتخابي الدائر. فأملاك الدولة هي مسؤولية الحكومة، ويجب أن تحكم سيطرتها عليها من خلال قوانين تحميها من التحايل واستخدام النفوذ. ففي كل العالم تقوم الحكومة بالسيطرة على الأراضي البور وإدارتها بما يحقق المصلحة العامة لجميع المواطنين. وحتى الأراضي الخاصة المملوكة لآحاد الناس سواء اشتروها أو ورثوها عن آبائهم، يحق للدولة نزع ملكيتها منهم إذا كانت هناك ضرورة أو منفعة عامة أو مرفق معين يلزم إقامته عليها.
ما نريده ويريده الناس في ملف ملكية الأراضي هو ضرورة أن تتعامل الحكومة مع هذا الملف بشفافية كاملة، وأن تعلن كل شيء على الجماهير، لكي تسكت جميع الأصوات، وساعتها سيصفق لها الجميع, وليس عيبا أن تكون هناك أخطاء أو استغلال نفوذ أو محسوبية، ولكن العيب هو في السكوت على الخطأ وعن قضية أضحت تشغل الرأي العام والإعلام على هذا النحو الذي نراه.
البحرين ليست الدولة الوحيدة في العالم التي حدثت بها قضايا فساد أو استغلال نفوذ في عملية تخصيص الأراضي المملوكة للدولة. فقد قرأنا عن مخالفات وفساد كبير في تخصيص الأراضي للمحاسبين في دول عريقة ولديها قوانين واضحة وصارمة في مسألة حماية أملاك الدولة. نحن لا نقصد تبرير أخطاء وقعت، ولكننا نريد أن نقول إن تصحيح هذا الملف أمر ممكن إذا ما قررت الحكومة التعامل معه بجدية.
ولابد أن يدرك المسؤولون أن المساحات  الكبيرة التي قرأ الناس عنها، التي تم تحويلها إلى ملكيات خاصة تستحق وقفة وتستدعي التحقيق الجدي في كل حالة على حدة، ولا بد من تصحيح أي وضع بني على باطل واسترداد كل شبر تمت السيطرة عليه بالتحايل أو استغلال النفوذ.
ولابد من عمل حصر كامل لما تبقى من الأراضي وتدوينها بشكل لا يقبل التلاعب والإعلان عن ذلك للجماهير.. ويجب أن تتم عمليات البيع لما يفيض عن حاجة المنفعة العامة للشعب كله بشكل قانوني ووفق لوائح لا تقبل التحايل. فحاجة الناس إلى السكن تزداد يوما بعد يوم في ظل الزيادة السكانية للمملكة، ولا أحد يدري كم سيبلغ عدد السكان بعد عشر سنوات، لذلك فقلق الناس حول ضياع أملاك الدولة، قلق مشروع والمسألة لا تقبل التسويف ولا التبرير.
وعلى السادة نواب الشعب أن يتخلوا عن أي اصطفاف أو تصفية حسابات في التعامل مع هذا الملف بالذات، الذي أصبح من أهم الأدوات التي تستخدم بمهارة من أجل تدمير انتماء الشباب، وعليهم أن يتفرغوا للبحث عن الحقيقة بدلا من التشويش على بعضهم البعض.