السعيدي والنقاب..

السعيدي والنقاب..

قبل أيام طالب النائب السلفي الشيخ جاسم السعيدي تحت مظلة البرلمان الجهات الحكومية المختلفة بعدم التضييق على المنقبات، ووصف هذه المضايقات بأنها انتهاك خطير للحريات الدينية التي كفلها الدستور للمواطنين، واستند السعيدي إلى ورود شكاوى عديدة من مواطنات يتعرضن للمضايقات والأساليب الاستفزازية بسبب ارتدائهن الحجاب.
عندما قرأت هذا الخبر – وعلى الرغم من وضعه على لسان نائب مخضرم مثل الشيخ جاسم السعيدي – شعرت بأن به تضخيمًا للأمور بشكل كبير، وقلت لنفسي هل تأكد الشيخ بالفعل أن مسألة مضايقة المنقبات في أماكن العمل قد أضحت ظاهرة تستحق من نائب مثله الوقوف تحت قبة البرلمان والمطالبة برفع الأذى عن المنقبات، أم أن بالأمر تضخيما يتصل بالحالة الانتخابية التي نعيشها ويتصل بتحفز السادة النواب لشد المئزر من جديد وتسخين عواطف الجماهير، المعروفة والمرتقبة، بحقنة منشطة لهذه العواطف.
وقد أصبح تسخين العواطف هو الحيلة الوحيدة تقريبا لدى نسبة كبيرة من نوابنا، بعد أن ابتعد المجلس الحالي كثيرا عن المصالح الحقيقية للجماهير وأنفق معظم وقته في التسخين والتسخين المضاد. وكل له أساليبه وبطولاته المعروفة في هذا المجال.
وبما أن النائب السعيدي لم يكن من أبطال معارك التجنيس وحرق دم المواطنين الأبرياء وإقناعهم بأن التجنيس هو المسؤول عن التغير المناخي وثقب الأوزون، ولم يكن من أبطال موقعة هورة سند، أو من الساعين بكل قوة لتغيير اليوم الوطني للبحرين، فلابد له أيضًا من أن يبحث عن وسيلة لشحذ همم جماهيره ودعوتها بشكل غير مباشر للالتفاف حوله من جديد.
ولا يخفى على أحد أننا في البحرين مصابون بداء التضخيم في كل مشكلاتنا، خصوصًا في ظل مساحة الحرية الواسعة التي نلناها في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، فلو أصيب مواطن بالإمساك يمكن أن يأخذ بعض أصحابه ليشاركوه في اعتصام ضد وزارة الصحة، وسوف يأتيه من المصورين الصحافيين من يسلط الضوء على هذه الحادثة بنشرها بالصحف في اليوم التالي.
وإذا حدث نقاش حاد بين مواطن قديم المواطنة وبين مواطن حديث، “مجنس” كما يسميه بعضنا، تقوم الدنيا ولا تقعد لأن “مجنسًا” اعتدى على مواطن عريق المواطنة.
الشيخ السعيدي – مع تقديرنا له – لم يذكر ما هي المضايقات التي تتعرض لها المنقبات في العمل، ولكنه قال كلامًا عامًا يوحي فقط بتضامنه مع هذه الشريحة من النساء.
ونحن لن نقول له أن النقاب نفسه غير متفق عليه بين علماء الدين، وأن علماء كثيرين لا يحبذون النقاب ولا يرون بأسًا في كشف المرأة للوجه والكفين، ولن نقول له أن السلفيين لا يؤيدون عمل المرأة في الأساس، إلا في وجود ضرورة لذلك، ولكننا نقول له إن هناك ظروفا في العمل وفي الامتحانات تقتضي أن تقوم المرأة بكشف وجهها منعًا للغش والتزوير.
كما أن قيادة المرأة للسيارة تقتضي منها أيضًا أن تكشف وجهها منعًا لأي خرق لقوانين المرور، كأن يقوم شاب صغير مثلا بارتداء النقاب وقيادة السيارة دون رخصة أو استخدام رخصة أمه أو أخته طالما أنه لا يحق لأحد أن يرى وجهه.
وفوق كل هذا نحن نعتقد أن البرلمان أمامه أولويات كثيرة يمكن أن تشغل النواب عن المطالبة بإطلاق العسكريين للحية وإغلاق المقاهي بعد الثانية عشرة ليلا وإعفاء المنقبات من المساءلة أمام رؤسائهن في العمل.