التعليم ومستقبل البحرين

التعليم ومستقبل البحرين

قبل أيام قرأنا خبرا أسعدنا عن التعليم في مملكة البحرين، فقد جاء في تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة أن البحرين جاءت في مقدمة الدول العربية في تعميم التعليم الابتدائي،وأورد التقرير أنه من بين جميع الدول العربية جاءت البحرين – إلى جانب الكويت والإمارات العربية المتحدة – ضمن الدول التي اقتربت من تحقيق التعليم للجميع.
هذا الخبر يدعو للتفاؤل حول مستقبل البحرين وحول التنمية الشاملة فيه في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وفي ظل الرؤية الاقتصادية 2030 لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، فهذه الرؤية تعتمد إلى حد بعيد على إقامة قاعدة علمية جيدة في البحرين تكون قادرة على صنع المستقبل الذي نطمح إليه.
فالتعليم هو الركيزة الأولى لتقدم الأمم، فهو الذي جعل اليابان تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم اقتصادي وتكنولوجي، وجعل جميع الشعوب تحترم السيارة اليابانية الصنع وتقوم بشرائها مهما كانت أغلى ثمنا من غيرها. والتعليم هو الذي جعل تركيا تنهض هذه النهضة الكبيرة التي يعيشها الشعب التركي. وليس هذا فقط، فتركيا تقوم في الوقت الحالي بالمواءمة بين التعليم وبين المستقبل الذي تسعى تركيا إلى صنعه في المنطقة، فهي ككل الدول المتقدمة تطوع التعليم لخدمة كل تطلعاتها وطموحاتها المستقبلية. وربما كان توجه تركيا إلى الشرق وإلى الأمة العربية من جديد هو الذي جعلها تقرر التركيز على دراسة اللغة العربية وتجعلها لغة أساسية في التعليم لديها.
تركيا حاليا تمتلك 132 جامعة، وهو عدد كبير مقارنة بعدد الجامعات في الدول العربية، وقد يزيد على عدد الجامعات في السعودية ومصر والأردن وسوريا مجتمعين.
وقبل أشهر، قامت تركيا بعمل استبانة للشعب التركي حول رأيه في إنشاء 500 جامعة قبل عام 2020، وجاءت نتيجة الاستفتاء بالموافقة.
ولكن العبرة هنا ليست في العدد فقط بالنسبة للجامعات التي أنشئت – بالفعل – أو تلك التي تنوي تركيا إنشاءها، ولكن العبرة في الطريقة التي يتم بها إنشاء هذه الجامعات، والتي تجعل هذه الجامعات أداة تنموية كبيرة منذ اليوم الأول لإنشائها. فالأتراك ينشئون الجامعات بمبدأ يسمونه “الحلول المتزامنة الخلاقة المتعددة”.
وبمعنى أكثر تفصيلا، يقوم الأتراك منذ اتخاذ قرار اختيار الأرض التي ستقام عليها الجامعة بتحويل هذه الأرض إلى وحدة منتجة، بمعنى أنهم يبنون مصنعا للطوب الذي ستبنى به الجامعة في المكان نفسه، أو قريبا منه، وكذلك بالنسبة للزجاج وغيره من المتطلبات. وهم دائما يقومون باختيار مكان بناء الجامعة إما في المناطق العشوائية؛ لكي يؤدي ذلك إلى تطوير هذه المناطق، أو في الصحراء؛ لينقلون إليها العمران.
وما أنْ يتم بناء الجامعة، يكون قد أنشئ حولها ما يقرب من عشرة مصانع توفر ما يزيد على 5000 فرصة عمل، وهو ما يخلق ازدهارا اقتصاديا ويوفر فرص عمل للشباب، حيث يقوم الطالب الذي يرغب في الالتحاق بهذه الجامعة أو تلك بعد حصوله على الثانوية العامة بتوقيع إقرار بالموافقة على العمل في إحدى شركات الجامعة بعد تخرجه. وهذا هو جوهر ما يسمى بالحلول المتزامنة الخلاقة المتعددة.
قد تكون المسألة أبسط بالنسبة للبحرين، فنحن لسنا في حجم تركيا أو عدد سكانها، ولا نحتاج هذا العدد الكبير من الجامعات، ولكن الوصفة المناسبة لنا هي الربط بين متطلبات الرؤية الاقتصادية 2030 في المجالات كافة، وبين المحتوى التعليمي والمهارات التي يتعلمها أبناء البحرين خلال السنوات القادمة؛ حتى نحقق المستوى الذي نطمح إليه من التنمية الشاملة.