التطبيع والتطبيل…

التطبيع والتطبيل…

لماذا يتخذ البعض منا من كل حدث يتصل بفلسطين مناسبة لإظهار البطولة والطعن في الآخرين بالحق وبالباطل؟
حتى زيارة الفريق الكروي البحريني للأراضي الفلسطينية للعب مباراة مع الفريق الفلسطيني الشقيق اتخذت كمناسبة جديدة للمزايدة على الآخرين وتصفية الحسابات وإعلاء الذات، وإظهار الوطنية والإخلاص للقضية الفلسطينية في مقابل تخوين الآخرين واتهامهم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.
تعجل البعض منا في معالجة المسألة وأعطاها أكثر مما تستحق، وقاموا بتحريض اللاعبين ووضع الكلام على ألسنتهم وتخويفهم وإشعارهم أنهم مقبلون على خيانة عظمى لأنهم سيلعبون مباراة مع أشقائهم الفلسطينيين.
بعض الفلاسفة اتخذ من مسألة التطبيع الكروي المزعومة مناسبة للمطالبة بالتطبيع بين أبناء البحرين بعضهم بعضا وأعلن الحرب على التمييز والجوع والتطهير العرقي الذي نتعرض له، وكأننا نعيش نحن أيضا في ظل احتلال!
لا أدري كيف تصبح مباراة في كرة القدم بين الفريق البحريني وشقيقه الفلسطيني تطبيعا مع إسرائيل ومناسبة جديدة للطم وشق الجيوب؟
السفير الفلسطيني في البحرين السيد أحمد رمضان قام بكل أدب وهدوء، كعادته، بتوضيح المسألة كلها وأوضح أنه لا يوجد تطبيع ولا يحزنون. فالمباراة ستقام في منطقة لا تخضع للاحتلال الإسرائيلي، وهي منطقة “الرام” الخالية من أي وجود إسرائيلي، والتي سبق وأقيمت بها مؤتمرات دولية، وسيقام بها مؤتمر علمي اقتصادي عما قريب وستشارك فيه مملكة البحرين بوفد رسمي، والمباراة تم ترتيبها من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ولا دخل لإسرائيل في ترتيبها. كما إن جوازات سفر الفريق البحريني لن يتم ختمها بختم إسرائيل. ماذا بقي إذن لنسميه تطبيعا؟
الحقيقة أن المسألة كلها مزايدات ولا تخدم القضية الفلسطينية من قريب أو بعيد.
إذا كانت زيارة فريق كرة قدم عربي إلى الأراضي الفلسطينية من أجل لعب مباراة مع الأشقاء الفلسطينيين تطبيعا مع العدو، كما زعم بعضنا، فمعنى هذا أن أي زيارة لأشقائنا الفلسطينيين تعد تطبيعا أيضا، ومعناه أن يتوقف الجميع عن الذهاب إلى أهلنا في فلسطين.
إن زيارة الإخوة على أرض فلسطين ورؤية أحوالهم هناك وممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية معهم هي الدعم الحقيقي لهم، وليس الدعم في دعوتهم لزيارتنا فقط. وهذا لم يفت السفير الفلسطيني عندما أعلن خلال لقائه بالصحافيين البحرينيين أن القيادة الفلسطينية تطالب كل مواطن بحريني وكل عربي وكل مسلم وكل صاحب مؤسسة عربية أو إسلامية أن يأتي إلى فلسطين، قائلا: “نحن نرحب بوجودهم هناك” وأكد أن الذهاب إلى فلسطين لا يعتبر خطة للتطبيع، وأن العربي الذي يذهب إلى فلسطين يكون بين أهله وعشيرته.
أما الذين يتخذون المناسبة للتأكيد أنهم أكثر وطنية وبطولة من غيرهم، فعليهم ألا يتعجلوا الأمور ويحملوا الأحداث ما لا تحتمل، وكفى تطبيلا عند كل كبيرة وصغيرة.