إلى خطبائنا مع كل الاحترام

إلى خطبائنا مع كل الاحترام

خطبة الجمعة هي رسالة إعلامية لها هدف معين وهو إحداث تأثير محسوب يستهدف العقل والعاطفة معا بدرجة معينة من التوازن، فلا يجب أن تزيد المؤثرات العاطفية فيها على المؤثرات العقلية، والعكس بالعكس لأن هذا يؤثر سلبا على مضمون الرسالة ولا يحقق الغرض منها. بمعنى أنه لا يجب أن تحتوي الخطبة فقط على الترهيب والتخويف من أولها لآخرها لأن هذا يؤدي إلى إصابة المذنبين باليأس. كما لا يجب أيضا أن تكون الخطبة مخاطبة للعقل فقط فتكون مملة وبلا تأثير روحي.
هي بالتالي درس أسبوعي روحي مهم، وجرعة إيمانية يعدها الخطيب بإخلاص كامل لتنقية النفوس والارتقاء بالإنسان اتجاها وسلوكا، وليست وسيلة للتهييج السياسي وتعميق الجراح لدى المجروحين. فالمنبر أقدس من الصحيفة، ورجل الدين الذي يبشر بالجنة ويخوف من النار له منزلة تفوق منزلة غيره من الناس. والخطبة أقدس مما يكتب في الصحافة من أعمدة ومقالات، ولا يجب أن تكون الخطبة شبيهة في مادتها بمثل هذه المواد الصحافية.
أقول هذا الكلام رغم أنني أكتب في الصحافة بشكل دائم، ولكن لا يصح إلا الصحيح.
وعندما يقوم كاتب بتكذيب كاتب آخر وتفنيد ما أتى به والرد عليه لا يكون في ذلك مصيبة كبرى، فالكاتب الصحافي ينشر رؤيته الشخصية أصاب أم أخطأ، ولكن إذا قام خطيب أو إمام بتكذيب آخر وتفنيد ما جاء به يكون في ذلك مصيبة كبرى من وجهة نظري لأن احد الاثنين سترفع عنه القداسة والاحترام المستحقان لرجل الدين.
وأول شيء يمكن أن يأخذ من رصيد القداسة المفترض لخطبائنا في البحرين هو الانغماس الكامل في العمل السياسي والتعمق في ذلك لحد الوصول إلى تفاصيل تخص أعضاء المجالس البلدية أو أعضاء البرلمان على أقصى تقدير.
الخطيب ليس كبقية الناس، فلا يجب أن يتبنى أي موقف إلا بعد أن يتحقق من معلوماته ويحسب خطواته التي سيخطوها. فعندما يتظاهر أهالي النعيم تضامنا مع سجين مدان بتهمة تسريب معلومات سرية تخص الدولة، لا نتوقف كثيرا بما يقوم به هؤلاء الناس، فهو نوع من التعاطف الشعبي مع أحد أبناء المنطقة، ومهما كان موقف هؤلاء المعتصمين بعيدا عن المنطق، فلا نلومهم، فقد حركتهم عاطفة القربى نحو أحد أبناء منطقتهم.
 ولكن، عندما تقوم شخصية دينية بوزن ومكانة الشيخ عيسى قاسم من فوق منبر الجمعة بالتصدي للكتاب الذين انتقدوا جمعية من جمعيات المعارضة على خلفية اتصال هذه الجمعية بجهات أجنبية، فهذه مسألة تستحق التوقف عندها لأن سماحة الشيخ بذلك يوفر غطاء من القداسة لجمعية سياسية لها ما لها وعليها ما عليها، شأن كل الجمعيات والأحزاب السياسية في العالم، فهي تهاجم غيرها وتبرر لنفسها وتزايد وترفع من شأن سياساتها وتخفض من شأن سياسات الآخرين، وهذا أمر طبيعي في عمل الأحزاب والجمعيات السياسية، ولكنه ليس طبيعيا إطلاقا في عمل المشايخ والخطباء.
وعندما يحتج بعض الشباب البحرينيين بسبب تعيين الأجانب في شركة من الشركات الكبرى، فهذا أمر لا يجب أن نتوقف عنده كثيرا، فبعض الشباب عاطل وبعضهم يشعر بالغيرة لأن الأجنبي يفوقه في العمل، وقد يكون موقف هؤلاء الشباب غير مبني على أسباب موضوعية، ومع ذلك لا نلومهم للأسباب التي ذكرناها، ولكن عندما يقوم شخص في مكانة واحترام الدكتور ناجي العربي بتخصيص جزء من خطبة الجمعة لمعالجة موضوع كهذا ويتماهى مع مشاعر هؤلاء الشبان فمن حقنا أن نتساءل.