“ألف ليلة وليلة”

“ألف ليلة وليلة”

“ألف ليلة وليلة”، كتاب رائع، ترجم للإنجليزية وغيرها تحت عنوان “ليالي العرب” وهو من أمتع ما أنتجه العقل البشري في تاريخ الأدب من قصص وحكايات خرافية شارك في إبداعها حضارات متعددة كالحضارة الهندية والفارسية والعربية وأبهرت كل من اطلع عليها. وككل الأعمال الرائعة التي لا مثيل لها، أصبح مصنف “ألف ليلة وليلة” مصدرا للإلهام والاقتباس للعديد من الكتاب المعروفين في الشرق والغرب على مدى فترة طويلة من الزمن، بخاصة في مجال أدب الأطفال.
ومن بين الكتاب الغربيين الكبار الذين تأثروا بمصنف “ألف ليلة وليلة” الكاتب الإنجليزي الخالد “وليم شيكسبير” في مسرحيته الشهيرة “العبرة بالنهاية”، وكذلك الكاتب الإيطالي الشهير “بوكاشيو” الذي اقتبس منه في كتابه “الأيام العشرة”، كما تأثر بها الكاتب الكبير”شوسر” في قصص “كانتوبري” المعروفة. هذا إلى جانب الدراسات ورسائل الدكتوراه التي قدمت حول هذا المصنف المهم.
هذا المصنف قال عنه الأديب الكبير “نجيب محفوظ” إنه موسوعة الحضارة العربية الحقيقية. كما قال الدكتور طه حسين عن رسالة الدكتوراه التي قدمتها سهير القلماوي حول “ألف ليلة وليلة” إنها “من الرسائل البارعة، وتأتي براعتها من مؤلفتها ومن موضوعها”.
ورغم القيمة الأدبية الكبيرة لهذا المصنف، التي يدركها أهل الأدب أكثر من جمهور المتذوقين من أمثالنا، إلا أن هناك مجموعة متشددة من أبناء العرب يريدون أن يطبقوا أحكامهم ورؤيتهم الخاصة للدين والأخلاق على هذا المصنف وغيره من الأعمال الإبداعية من أدب وشعر، بسبب رؤيتهم السطحية وعدم قدرتهم على تذوق الأدب وفهم مراميه من الأساس.
خلال الأيام الماضية قامت مجموعة من المحامين التابعين إلى الجماعات المتشددة، أو المدفوعين بالرغبة في الشهرة برفع دعوى قضائية في القاهرة من أجل وقف طبع هذا المصنف ومصادرته، بحجة أن به عبارات خادشة للحياء.
هؤلاء المحامون يعلمون جيدا أن هناك أحكام قضائية سابقة قضت بطبع الكتاب وتداوله، ويعلمون أن نجاحهم في منع طبع الكتاب غير وارد، ولكنها الرغبة في الشهرة والرغبة في أن تُتداول أسماؤهم في وسائل الإعلام، نتيجة لاصطدامهم بالمفكرين وأهل الأدب، هي التي دفعتهم إلى الإقدام على رفع دعواهم الهادفة إلى مخاطبة عواطف الشباب المتدين في وقت تقترب فيه الانتخابات البرلمانية في مصر.
هي إذن فرقعة إعلامية لن تحقق شيئا، بخاصة وأن الكتاب الكبار والمثقفين والمسؤولين في هيئة الكتاب في مصر قد تصدوا بكل حسم لهذه المحاولة اليائسة. فقد وافقت اللجنة العليا للنشر التابعة للهيئة والمكونة من رؤساء تحرير إصدارات الهيئة على إعادة طبع عشرة آلاف نسخة جديدة من الكتاب بنصه الكامل.
والخلاصة، أن المتشددين من أبناء أمتنا لا يعرفون قيمة الأدب وليسوا مؤهلين للحكم عليه، ويعتقدون أن حربهم على الأعمال الإبداعية ستوقف تداولها بين الناس، ناسين أن أعمال أدبية كثيرة تحقق لها الانتشار والذيوع بسبب محاربتها من قبل بعض الفئات، أو منعها من قبل الحكومات. فرواية “أولاد حارتنا” للكاتب الكبير نجيب محفوظ عرفها الناس بمن فيهم من لا يقرأون الأدب، بسبب منعها، وقام الناس بتصويرها خفية على آلات التصوير وتداولوها. هذا بالطبع قبل أن يأتينا الانترنت لينشر كل شيء رغم أنف الجميع، فهل دعوى قضائية ستوقف قراءة الناس لكتاب طبعت منه آلاف النسخ من قبل؟