“يحق لك أن تبكي كالنساء”

“يحق لك أن تبكي كالنساء”

عندما يلجأ الأديب إلى مدح شيء أو شخص في الماضي، شخص رحل عن عالمنا مثلاً، أو عاش في فترة تاريخية غير الفترة التي نعيش فيها فمعنى ذلك أنه لم يجد في الحاضر ذلك الشخص الذي يستحق منه هذا المدح.

فعندما أبدع العظيم حافظ إبراهيم (شارع النيل) قصيدة “العمرية” التي يمدح فيها عمر بن الخطاب الذي يعد أكبر رمز للعدل في التاريخ الإنساني، بعد الأنبياء بالطبع، كان يقصد من وراء هذه القصيدة انتقاد الواقع الذي يفتقد إلى العدل وينتقد خديوي مصر آنذاك المسؤول الأول عن اختلال ميزانه، لجأ حافظ إذا للتاريخ لينتقد الواقع بشكل غير مباشر، ولكن عندما لجأ الشاعر المصري فاروق جويدة إلى التاريخ في مسرحية «الوزير العاشق» كان هدفه الإسقاط السياسي، كان هدفه نقد الماضي والحاضر معاً من خلال مقارنة فترة تاريخية معينة شهدت انهيارا عربياً إسلامياً كبيرا بالحاضر الذي نعيش فيه. وبالطبع هذه الموازنة أو المقارنة غير موجودة في هذه المسرحية الرائعة بشكل مباشر، ولكن هذه المقارنة مسألة تنشأ في ذهن القارئ أو المشاهد لهذه المسرحية من خلال إعمال العقل، ومن خلال ثقافة هذا القارئ أو المشاهد.
المسرحية، لمن لم يقرأها أو يشاهدها، تحكي عن لحظة تاريخية مأساوية من التاريخ العربي الإسلامي، وهي لحظة سقوط دولة المسلمين في الأندلس، فبعد أن ظلت الأندلس (إسبانيا) إسلامية لمدة ثمانمئة عام شهدت هذه اللحظة الدرامية المؤلمة، يوم أن علقت أجراس الكنائس على مآذن المساجد، وسكت الأذان في الأندلس بعد أن ظل يتردد في أرجائها ثمانية قرون من الزمان.
الأندلس لم تسقط بقوة الأعداء ولكنها سقطت بتفرق العرب وتمزقهم وانصرافهم إلى المصالح الضيقة والطعن في بعضهم البعض وإعلاء الزعامة والرغبة في الظهور على مصالح الأمة والاستقواء بالعدو لتحقيق أهداف وقتية لا تخدم شيئاً سوى إرضاء البواعث النفسية لهذا الحاكم أو ذاك، الكل يريد أن يكون الكبير أو الزعيم للأمة أو صاحب الدور في زمن لا يوجد لأحد منهم دور فيه، الكل يفكر في عيوب الآخر ويشهر به وينسى عيوبه والنتيجة النهائية، بالنسبة للأندلس طبعاً، كانت كما ذكرها التاريخ وأبرزتها المسرحية.

وحكي أن آخر ملوك المسلمين في الأندلس بكى عند لحظة السقوط تلك، حيث لا ينفع البكاء، وقالت له أمه معلقة على ذلك: “يحق لك أن تبكي كالنساء، على ملك لم تحافظ عليه كالرجال”، فآه من تلك اللحظة.