خبر يدعو إلى الصدمة ذلك الذي قرأناه بصحفنا قبل أيام، اعتداء رجلين بالغين محصنين على ابنتيهما، فهل هناك بشاعة أكثر من ذلك؟ حادثتان متماثلتان خلال وقت قصير جدا. ولقد اعترف أحد (الأبوين) أنه يعيش في هذا الدنس منذ سنوات “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
عندما ينشر خبر عن اعتداء خادم أو مدرس أو أي شخص على طفل أو طفلة تنتاب الناس حالة من الخوف ويبدأون في اتخاذ احتياطات معينة لحماية أبنائهم وبناتهم من مثل هذا الصنف من البشر. ولكن ماذا بوسع الناس أن يفعلوا إذا أتى هذا الاعتداء من محرم من محارم الضحية، والأشد والأنكى إذا كان هذا المحرم هو الأب؟ ومن الذي سيشك في سلوك أب يجلس مع ابنته في البيت أو خارجه؟ هي مصيبة كبرى تحل بالأسرة بكاملها لاشك في هذا، لأنها عندما تقع لا يداويها أي علاج، وفي أغلب الأحيان يكون السكوت عن هذه المصيبة هو الملاذ الآمن للناس. فمهما كانت العقوبة التي سيتم توقيعها على الجاني فهي لا تفيد الضحية. فالضحية تتعرض للقتل عندما يتجرد هذا الأب من أبوته وأخلاقه ودينه ومروءته ومن كل الفضائل ويقوم بالاعتداء عليها، وتقتل مرة أخرى عندما يعرف المجتمع بنبأ هذه المصيبة التي وقعت عليها، ثم تعيش بعارها طوال عمرها وقد لا يرضى أحد بالزواج منها. قد يسجن الأب المجرم أو حتى يرجم حسب الشريعة الإسلامية، ولكن من الذي سيتكفل بالإنفاق على هذه الأسرة التي فقدت عائلها.
إذا كانت الصحف قد نشرت خبر هذين (الأبوين) دون أن تسميهما فهذا أمر لا يضمن أبدا أن يظل أبطال هذه المأساة مجهولين إلى الأبد، فحتما ستكون هناك طريقة أو أخرى لذيوع تلك المأساة بين الناس.
ولذلك لا يتم الكشف عن الكثير من هذه الجرائم، وتكون الصدفة في معظم الأحيان هي السبب في كشف إحدى هذه الجرائم على فترات زمنية متباعدة، فمن تلك الفتاة التي ستجرؤ على القول أن اباها قد اغتصبها؟ ومن تلك الأم التي ستجرؤ على القول أن ابنها قد اعتدى على ابنتها؟ فالمصيبة مصيبتها في كل الأحوال.
لقد قرأت مناقشات كثيرة ودراسات تناولت هذه السلوكيات الشاذة وأسبابها وكيفية التصدي لها والعقوبات التي يجب تنفيذها في حق مرتكبيها، ولكني على يقين أنه لا ضمان ولا حماية من هذه الممارسات إلا بالأسرة نفسها واتباعها للمبادئ التي بينها ديننا الحنيف.
يقول أيمن إسماعيل، أستاذ الخدمة الاجتماعية بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إن “من أهم العوامل التي تؤدي لجريمة زنا المحارم، ذلك الانتشار واسع النطاق لأساليب “الحفز الجنسي”، كما الحال في الإنترنت والفضائيات، والتي قد تدفع البعض إلى محاولة التقليد أو إفراغ الطاقة أو الانتقام أو مجاراة الآخرين من خلال ممارسة الجنس مع الطرف الأسهل في الوصول إليه، وهم المحارم، والذين قد يشتركون معه في الخصائص نفسها، فهم أيضا معرضون إلى العوامل التي سبق الإشارة إليها”.
وأوضح إسماعيل أن مرحلة المراهقة هي المرحلة الأخطر في هذا الأمر، وتحدث أيضا عن الأسباب الخاصة مثل الفقر وضيق السكن وتأخر سن الزواج. ولكن يبقى الالتزام بالتعاليم الدينية الإسلامية هو الضمان الأكيد لعدم وقوع هذه الجرائم.
وعلينا أن نسأل أنفسنا جميعا هل نتبع السلوك الصحيح الذي بينه القرآن الكريم عند الدخول على المحارم في أوقات معينة؟ هل نفرق بين الأبناء والبنات في المضاجع؟ هل نوقف نوم البنات والأولاد في أحضان الأب والأم بعد سن البلوغ؟ بل لنذهب لأبعد من ذلك ونسأل: هل نراقب نظرات الابن البالغ إلى أخته؟ وهل نحول بينه وبين الاختلاء بأخته إذا ساورنا أي شك من ناحيته؟ وهل نراقب تعامل أبنائنا وبناتنا مع شبكة الإنترنت؟ وفي النهاية نقول هل هذا الخبر المشين الذي قرأناه كان بمثابة صرخة مدوية لكل أسرة لكي تقوم بما يجب القيام به لمنع هذه السلوكيات؟ وهل كانت مأساة هاتين الفتاتين اللتين تعرضتا للاعتداء سببا لتوقف بعض فاقدي الضمير والإنسانية ممن لم ينكشف أمرهم لسبب أو لآخر عن أفعالهم المشينة؟ نتمنى ذلك.