“ويلٌ لأمة تهمل تاريخها”

“ويلٌ لأمة تهمل تاريخها”

العنوان أعلاه دلالة كافية لدحض كل معالم الافتتان بالنموذج التغريبي للثقافة العربية، فاليوم مع تعاظم النظرة الانبهارية بكل ما هو قادمٌ من الغرب، بات لزاماً على المثقفين العرب والنخبة الفكرية تمتين أواصر الجذور الثقافية للعرب والالتفاف حول كل ما هو غير قابل للتجديد.
وهذا بطبيعة الحال لن يتم بمعزل عن الاعتداد بالموروث الشعبي، وقديما ً قيل “إذا أردت أن تحكم على حضارة وطن، فانظر إلى مدى تعلق شعبه بتراثه” .
إن الانفتاح على الآخر والتعطش لفهم متغيراته “الجوانية”، لا يعني البتة التنازل عن هويتنا العربية الضاربة أطنابها من المحيط إلى الخليج. ولا بأس بين الفينة والأخرى بإطلالة على ما هو آت من الغرب من منطلق متطلبات العولمة، شريطة الحفاظ على تراثنا وإرثنا العربي النفيس وعدم المساس بمكوناته، أو التلاعب بمقدراته.
ولا ننسى في هذا المقام انشداه الغرب وعجزهم عن مجاراة العرب في كل ما له صلة بالمنظومة القيمية والأخلاقية والروحانيات، والتي لا يمكن فصلها هي الأخرى عن الموروثات الشعبية والتراثية لكل بلد، باعتبارها مخزوناً ثقافياً وحضارياً تعبر عن قيمة وأصالة أهلها.
لقد استطاع الكاتب المصري توفيق الحكيم – رحمه الله – أن يوجز ذلك العجز أو التفاوت في فهم الآخر والتصادم معه في أمور صغيرة، قد تحيل التقارب مستحيلاً، إذ عبر في روايته الشهيرة “عصفور من الشرق” عن تفاصيل دقيقة، متباينة بين الغرب والشرق، على شاكلة ترجمة مشاعر الحب على أرض الواقع من حيث رغبة الشرقي في الإحساس بطعم الحب حد الاستمراء، في حين غلبة الطابع المادي على الإنسان الغربي في علاقاته الإنسانية.
ولقد أردت من خلال ذلك الإسقاط الأدبي، تبيان أن الانغماس في الآخر حد الذوبان، مسألة يستعصي هضمها لدى العقل البشري، وهي مستحيلة – إن جاز لي التعبير –  لأن الإنسان نتاج بيئته وتربيته، وإن انتقل بجسده جغرافياً إلى أماكن أخرى من العالم، تبقى عاداته وتقاليده الأصيلة راسخة في عقله الباطن.
وذاك أمر حميد، لا غبار عليه من حيث كونه رديفا لاستمرارية الثقافة الشعبية والتشبث بها كأحد معاول مواجهة الخطر المحدق بالعروبة والموروث العربي المشترك، ولا يختلف اثنان على أن الثقافة العربية في وضعها الراهن تعيش حالة أشبه بالغيبوبة والموت السريري، نتيجة ما تتعرض له من هجمات دورية ومستمرة مسجاة تحت مسميات الحداثة والانفتاح. ولستُ أدري أي انفتاح ذاك الذي يعمد إلى طمس هويتنا، بما في ذلك لغتنا العربية الجميلة؟!
 في الحقيقة، يأتي حرص جلالة الملك بالموروث الشعبي، سواء من خلال الدعم الخاص الذي يوليه جلالته لمجلة الثقافة الشعبية كأحد معاقل صد ومواجهة شعارات الحداثة، أو من خلال احتضان مملكة البحرين مكتب المنظمة الدولية للفن الشعبي، برهان خالص على خوف جلالته من قادم الأيام على شبابنا وما يمكن أن تؤدي بهم متاهات العولمة من انزلاقات.
 
أمنية ليست بعيدة
نتمنى من كل وزارات الإعلام في أوطاننا العربية ضرورة الانتباه إلى اللغة العربية، بإعطائها مزيداً من الاهتمام والتركيز، من منطلق أن اللغة العربية جزءٌ لا يتجزأ من تاريخنا العربي المجيد، والتهاون فيها يعني تهاون بعروبتنا ومستقبل أجيالنا.