هوس “الترند” وسقوط القيم

هوس “الترند” وسقوط القيم

الأحد 21 يوليو 2024

وصل هوس الناس بتحقيق مشاهدات وانتشار لما ينشرونه على السوشال ميديا إلى حد مخيف بالفعل، فلم يعد المحتوى الذي يتم تقديمه يشغل هؤلاء إلا من ناحية واحدة هي تحقيق انتشار فيروسي لما ينشرونه حتى إن سقطت في سبيل ذلك كل قيم المجتمع. لم نعد بحاجة إلى الحديث عن غزو ثقافي خارجي ولا ضرب خارجي لثقافتنا وقيمنا التي تربينا عليها، فنحن نتولى هدم هذه القيم بأيدينا، والمشكلة الكبرى أن ما ينشر يأخذ الكل في طريق واحد هو طريق التسطيح والتفاهة وترك ما هو مفيد علميا وثقافيا ونفسيا تحت شعار مدمر هو أن الناس تحب ذلك والمضمون التافه هو الذي يجذب ويحقق المشاهدات ويحقق الربح المادي أيضا.
وإن أكثر ما يقلق في هذه الحالة الخطيرة صعوبة أو ربما استحالة السيطرة على هذا العالم الأسطوري الذي يهلك خلاله البسطاء ويضيع الشباب غير المسلحين بالوعي الكافي الذين ولدوا ليجدوا الهواتف الذكية في أيديهم فرضعوا منها قبل أن يرضعوا من أثداء أمهاتهم، وكبروا بعيدا عن الكتاب وبعيدا عن كل مصادر المعرفة الحقيقية التي تبني الناس علميا فكريا ونفسيا. هي إذا معركة وعي قبل أن تكون أي شيء آخر، وما لم تقم الحكومات والمؤسسات المعنية والأسرة والمدرسة بخوض هذه المعركة بكل ما تملك فسيستمر السير إلى ما هو أبعد في عالم التفاهة والإسفاف والتسطيح، وستأتي أجيال هشة الفكر والعلم. لنسأل أنفسنا كم ساعة يعكف أبناؤنا على قراءة كتاب أو بحث أو أية مادة ترفع مستواهم العلمي والمعرفي، وكم ساعة يقضونها في مشاهدة المحتوى الرديء الذي يزدحم به الفضاء الإلكتروني من فيديوهات ومواد لا تبني عقلا ولا ترسخ أي مبدأ من مبادئنا التي تربينا عليها، بل تهزها هزا عنيفا وتسعى لمحوها. وأكثر شيء يحزنك في هذا المشهد المخيف أننا لم نعد مجرد مستهلكين للإسفاف، لكننا أصبحنا منتجين كبارا للمحتوى الرديء.