كان لي شرف المشاركة لمدة يومين في ورشة العمل التي نظمتها جمعية الصحافيين البحرينية بالتعاون مع منظمة “آيركس” وشركة “نيويورك تايمز” عن ميثاق شرف للصحافيين. والحقيقة أن ما استمعت إليه خلال هذين اليومين حرّك في نفسي مشاعر ومسئوليات كبيرة كوني أمارس الكتابة الصحفية بانتظام.
لقد أدركتُ على نحو أعمق حجم المسئولية التي يتحملها كل صاحب قلم عندما يمسك بقلمه ويسجل كلماته التي تصبح بعد وقت قصير بين أيدي غيره من الناس ممن تتباين ثقافاتهم وأيدلوجياتهم وأعمارهم . وإذا كان الإنسان عموماً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يطلق الكلمة فلا يلقي لها بالاً فيهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ، فما بالك بهذا الإنسان إذا كان صحافياً أو إعلامياُ تزور كلماته بيوت الناس دون إذن منهم؟
الإنسان العادي قد يقتصر مجال تأثيره على عدد قليل من المحيطين به، ولكن الكاتب تصل كلماته إلى عدد غير معروف من الناس. وهنا يتضح حجم المسئولية وتتضح أهمية أمانة الكلمة .
فكم نحن بحاجة ماسة لميثاق شرف صحفي يساعد صحافتنا على التطهر من الكثير من أدرانها ، فهذا الميثاق يجعلها أكثر قوة ويجعلها محل احترام من الجمهور ومن الحكومة على السواء ، خاصة ً بعد الانطلاقة الصحفية الكبيرة التي حدث
ت في البحرين خلال الأعوام القليلة الماضية.
هذه الانطلاقة بلا شك لها مميزاتها وعيوبها، ولا يجب على أي منا أن يستثني نفسه من المسئولية عن شيء من هذه العيوب ويتفرغ لإعطاء دروس لغيره، فكلنا مسئولون عن صنع صورة نهائية للصحافة البحرينية .
ولا توجد تجربة صحفية في العالم بلا عيوب، لكن المهم أن نلتقي جميعاً على كلمة سواء ونشارك في صنع هذا الميثاق ، وسواء جاء هذا الميثاق إلى الوجود أو لم يأت، فعلى كل صاحب قلم أن يلزم نفسه بكود أخلاقي معين يتفق مع الدين والفطرة السليمة والمصلحة العليا للوطن.
وما يقال عن كتاب الرأي وعن أمانة الكلمة بالنسبة لهم، يخص محرري الأخبار والمسئولين عن إبرازها وإخفائها على نحو أكبر. لأن الخبر الصحفي يختلف عن مادة الرأي، حيث الأخيرة مهما كان شأنها ومكانة صاحبها، هي في النهاية تعبر عن رأيه. قد يأخذ بها القارئ وقد لا يأخذ ويستطيع أن يتبنى رأيا مناقضاً تماماً لصاحبه. ولكن الخبر أشد خطورة لأنه يفترض فيه عدم التلون ويفترض فيه الصدق الكامل.
صحيحٌ أن تقدم تكنولوجيا الاتصال قد جعل من مسألة تزييف الأخبار والكذب أمراً مستحيلاً ، إلا أن هناك وسائل تتبعها الصحف وغيرها من وسائل الإعلام مثل الإبراز والتضخيم والمكان الذي يوضع فيه الخبر تبين أن الوسيلة التي نشرته لها موقف ما، سلبية أو إيجابية من هذا الخبر، وهذا الأمر بعيدٌ كل البعد عن الأمانة في نقل هذا الخبر.
ولاشك أن مسألة إبراز ما لا يستحق الإبراز وإخفاء أخبار كبيرة والتقليل من شأنها هي من أبرز عيوب الصحافة البحرينية التي تستحق وقفةً وتستحق أن يكون لها اعتبار ومكان في هذا الميثاق ، إن قـُدر له أن يولد..
في خاطري:
هب ْ من له شيء يريدُ حجابه
ما بال لا شيء عليه حجابُ
أبو تمام