منى ثروت مواطنة من بين تسعين مليونا من المصريين، موظفة عادية بوزارة الزراعة المصرية، ليست نجمة سينمائية ولا عالمة في الذرة ولا يعرفها سوى أهلها وأقاربها وزملاؤها في العمل، ولكنها فجأة اصبحت معروفة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لأنها صنعت شيئا غير عادي، صنعت شيئا لا يصنعه إلا المواطنون الصالحون.
عندما قرأت قصتها في الصحف المصرية وتابعت حديثها التلفزيوني، قررت أن أكتب عنها، كما سبق وكتبنا عن منتظر الزيدي وحذائه رقم 43 الذي قذف به الرئيس جورج بوش خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد نجاحه في خراب العراق والجلوس على تلتها.
لقد ذكرني إصرار منى ثروت على مقاومة الفساد وتحمل الإهانة وتحمل المطر الغزير الذي كان يهطل فوق رأسها، ذكرني بمقولة غاندي العظيم: سوف يتجاهلونك، ثم يضحكون عليك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر!
منى أرادت مقابلة رئيس الوزراء، بعد أن فشلت في مقابلة وزير الزراعة لتخبره عن وقائع فساد تملك تجاهها أدلة معينة، كونها تعمل في الوزارة التي حدثت فيها هذه الوقائع، ولكنها وسط الزحام في هذا البلد الكبير الذي تئن فيه الشرطة من كثرة المهام وتعاني في مقاومة الإرهاب والإجرام ليلا ونهارا، لم يستمع لها أحد من رجال الأمن الموجودين عند مدخل مجلس الوزراء، فهم مشغولون ومتوترون لأسباب أخرى يرون أنها أهم وأكبر بكثير من تلك التي جاءت من أجلها هذه السيدة التي يقابلون كثيرين مثلها كل يوم ويتخلصون منهم بسهولة.
ولكن التجاهل والسخرية والحرب (أقصد الضرب) الذي نالته من ضابط (برتبة عقيد) بعد أن تعب من إصرارها على مقابلة رئيس الوزراء، لم يهزمها، وظلت صامدة، لأنها ترى أن مهمتها وطنية وتستحق أن تعاني من أجلها ،وربما قالت في قرارة نفسها إن مهمتها أكثر قداسة من مهمة هذا الضابط نفسه، فالضابط أتى لحماية شخص أو مجموعة أشخاص ولكنها جاءت من أجل حماية وطن، فهي قدمت إلى هذا المكان لمقاومة الفساد الذي أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي الحرب عليه في كل المواقع وقام بإقالة مسؤولين كبار في هذه الوزارة أو تلك.
لم يفلح الجنود المأمورون بفك أصابعها من السياج الحديدي العالي الذي نصبوه أمامها، فجاء الضابط (الكبير) ليتعامل معها بنفسه بعنف لا يليق بامرأة.
ثم جاء الفرج، وهي في قلب الإهانة التي تعرضت لها من الضابط، وفي قلب المطر الذي يعرف في الأدب بأنه عامل موضوعي لغسيل الأحزان، فقد بلغ الخبر وزير الداخلية نفسه، وعلى الفور جاءها لواء مكلف من الوزير ليبحث محنتها وينصحها بتقديم شكوى رسمية ضد الضابط الذي اعتدى عليها بالضرب، وهكذا صعدت منى ثروت وسقط الضابط الذي نسي أننا في عام 2015 وأن وسائل الإعلام نقلت فعلته إلى كل أركان الأرض.
كان لابد أن نكتب عن هذه السيدة كنموذج للمرأة العربية الوطنية التي تضحي من أجل وطنها وتواجه الخطر من أجل مبادئها، وأتمنى أن يقوم المجلس القومي للمرأة في جمهورية مصر العربية بتكريمها على شجاعتها ووطنيتها.