كلما عرضت قناة تلفزيونية اللقطة التاريخية التي يمر فيها حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي من فوق جبهة الرئيس الأمريكي السابق بوش، تذكرت بيتاً من شعر الهجاء لا أعرف قائله: قومٌ إذا علت النعال جباههم / شكت النعال بأي ذنب تصفعُ.
وشعرت بغصة للمحاكمة الإعلامية التي عقدها مثقفون وكتاب عرب لمنتظر قبل أن تحكم عليه المحكمة العراقية . لقد عامل هؤلاء الكتاب وأصحاب الكلام – القائمين دوماً على إعلاء كل ما هو غربي- عاملوا هذا الشاب الثائر المملوء بالحرقة تجاه ذلك الرئيس الأمريكي الذي دمر بلاده وكأنه قائد أو زعيم أو رئيس وزراء فلاموا عليه لأنه استخدم حذاءه للتعبير عن غضبه، ونسوا أنه مواطن عادي تغلي نفسه بسبب ما جرى لبلده وأهله وتتمزق روحه بسبب الاغتصاب والقتل الذي تعرضت له بنات وطنه، قالوا إنه إعلامي وأن سلاحه الكلمة وليس الحذاء، ونسوا أنه كان في مؤتمر صحفي يستمع فيه إلى كلام هو أقرب إلى الزنا واللواط منه إلى الكلام، ونسوا أن الصورة بكل تفاصيلها صورة أحقر من أي حذاء !
واليوم خرج “ منتظر” من السجن الأصغر بعد قضاء العقوبة التي ارتأتها المحكمة إلى السجن الأكبر الذي يحبس فيه الاحتلال الأمريكي كل شرفاء العراق.
وتصادف خروج “منتظر” من سجنه الأصغر مع توارد الأخبار القائلة بأن “بوش” وعصابته متهمون بارتكاب جرائم تستدعي المحاكمة وفقاً للمعايير الأمريكية الداخلية في الحكم على الأمور. وأنا أستخدم تعبير “ المعايير الأمريكية” هنا، لأن المعايير العربية أو الدولية القائلة بأن احتلال العراق في حد ذاته جريمة، حتى وإن لم يرتكب بوش ومن معه جرائم التعذيب المعروفة، هي معايير لا قيمة لها عند الأمريكيين فهم يرفضون تقديم الجندي الأمريكي البسيط إلى المحكمة الجنائية الدولية، فما بالنا إذا تعلق الأمر برئيس أمريكا؟!
فماذا سيقول جهابذة التنظير العرب الآن: هل سيطالبون بمحاكمة بوش الذي أدانته معايير الداخل والخارج أم سيلتزمون الصمت؟ منتظر عوقب نتيجة لحظة غضب صنعتها قلة الحيلة وتهاون شركاء الوطن ، ولأنه رمى بحذائه في وجه الخيانة والإجرام، أما بوش الذي دهس بحذائه كل القيم الإنسانية وحطم أقدار الرجال فلن يحاكم ..
الزبدة :
قديماً قالوا: اختفى من العالم ثلاثة أشياء ، الغول والعنقاء والخل الوفي.. واليوم نقول: اختفى من العالم أشياء لا حصر لها ، منها الغول والعنقاء والخل الوفي ، والعدل والحق والمروءة والشهامة والوطنية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي والعلاقات الإنسانية الخالصة.. وعلى الدنيا السلام!