26 ديسمبر 2018
مع السودانيين للمرة الثالثة
نـُشر العمود قي صحيفة الراكوبة السوادنية الإلكترونية ، مرفق الرابط أدناه
https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-313805.htm
المسألة تستحق أن أبقى مع اخواني السودانيين لمرة ثالثة ورابعة وخامسة ،وعاشرة إذا لزم الأمر ،فالوضع في السودان مقلق جدا ،خاصة وأن كل خراب كبير حل بغيره من الدول العربية قد بدأ هكذا ،مطالب تتعلق بالخبز والحرية تتصاعد نتيجة لردود أفعال أولي الأمر غير المقنعة لنصل في النهاية إلى ” الشعب يريد اسقاط النظام “.
ذلك لأن مخزون عدم الثقة الموجود في عقول الشعوب العربية يجعل هذه الشعوب لا تصدق وعود الأنظمة باتخاذ إجراءات إصلاحية وسياسات اجتماعية لصالح الفقراء .وربما يكون من المناسب في هذا السياق أن نستدعي تعريف أينشتاين للغباء ،حيث قال أن الغباء هو أن تقوم بفعل نفس الشيء باتباع نفس الخطوات وتنتظر نتائج مختلفة .
قد لا ينطبق هذا التعريف على نظام الرئيس البشير ،ولكنه رأى وعايش كيف بدأت الشرارات لدى غيره وكيف تحولت إلى حرائق كبيرة وأنت على الأخضر واليابس .وبالتالي لابد أن يكون رد فعل هذا النظام ردا غير تقليدي لينقذ السودان من السقوط فيما سقط فيه غيره .
قد يقول قائل : حيرتينا يا بنت العرب ،بالأمس طالبتي الشعب السوداني بألا يفعلها وألا يسير في طريق العنف والدمار وألا يستبدل السيء بالأسوأ،واليوم تريدين إعطاء دروس للنظام .وأنا أقول له نعم ،فلابد أن يكون النظام مختلفا في تعاطيه مع الأزمة .
فمجرد الوعود لن تفيد مع شعب لا تقنعه نظريات تفكيك الدول ولا يقنعه الخوف من حروب الجيل الرابع والخامس ،شعب إذا حدثته عن الربيع العربي ،يقول لك أن الربيع العربي بدأ عندنا يوم جاءت جبهة الإنقاذ ،واذا حدثته عن قتلى وجرحى ومشردين ،يقول لك أن قتلانا وجرحانا ومشردينا اكثر بكثير من الدول التي حدثتنا عنها .
الخلاصة أنك إذا حاولت أن تقنع السودانيين بشيء أقنعوك بأشياء ،حيث الثقافة السياسية الرفيعة والقدرات اللغوية هي أكثر ما يميزهم .
والشيء الوحيد الذي لم يستطيعوا اقناعي حتى الآن هو أن السودان يمكن أن يخوض تجربة الثورة دون خسائر كبيرة ودون أن تسوده الفوضى .وفي النهاية فإن الكرة أصبحت في ملعب الحكومة السودانية لان مسألة الخوف أو التخويف من تبعات الثورة لن تقنع البطون الجائعة ولابد من التعاطي مع الوضع بشكل غير تقليدي.