معهد التنمية السياسية جاء ترجمة لفكرة متقدمة جدا للقيادة السياسية في مملكة البحرين، وهو يعد من متطلبات وأدوات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك على المستوى السياسي وتنمية الديمقراطية بعيدا عن أي إثارة أو تحريض.
وقد كان من الضروري أن تأتي إلى الوجود مؤسسة بحرينية تقوم على التنمية السياسية، بدلا من استيراد المؤسسات والمشاريع الجاهزة من الغير، فلكل دولة خصوصيتها وثقافتها وبيئتها السياسية التي لا تتطابق مع غيرها، فما يكون نافعا لدولة في شرق آسيا أو في غرب أوروبا ليس بالضرورة أن يكون نافعا للبحرين. وقد أخطأت الولايات المتحدة كثيرا عندما حاولت أن تفرض تصورها الخاص للتغيير الديمقراطي على غيرها من الدول، خاصة تلك التي تختلف كثيرا في ثقافتها عن الثقافة الأمريكية.
التنمية السياسية لا تعني تحريض فئة على فئة أو تعميق الإحساس بالتهميش لدى فئة على النحو الذي مارسته مؤسسات أجنبية تحقيقا لوصفة “الفوضى الخلاقة”، ولكنها تثقيف وتدريب ونشر لثقافة الحوار والممارسة الديمقراطية القائمة على احترام الآخر من قبل الأفراد والجمعيات.
ولكن عندما جاء معهد التنمية السياسية إلى الوجود، كمؤسسة بحرينية خالصة لا هدف لها سوى النهوض بالشعب البحريني على مستوى الفكر والممارسة الديمقراطية، قابله البعض بنوع من الفتور والتشكك، أو بالأحرى التشكيك، خاصة وأن هذا المعهد البحريني تم تأسيسه على أنقاض المعهد الديمقراطي الأمريكي “إن دي آي” الذي حزن عليه البعض ممن استفادوا من إغراءاته خلال الفترة التي قضاها في البحرين.
وقد كان واضحا جدا أن البعض يتنمر للمعهد البحريني الجديد ويفتش عن أي هفوة أو خطأ للتشكيك في جدواه عند رحيل الدكتور عبدالله الأشعل وما نشر آنذاك عن وجود خلافات بينه وبين بعض زملائه بالمعهد، حيث قام البعض بتكبير ذلك الأمر إلى حد التشكيك في جدوى المعهد.
ثم جاءت الفرصة مرة أخرى لمن يرغبون في الإجهاز على هذا المعهد عندما وقعت مخالفات إدارية أو مالية في فترة المدير الذي جاء خلفا للدكتور الأشعل، حيث اعتبر البعض أن المعهد على وشك الانهيار، وكأن وقوع شخص في خطأ أو مخالفة أو حتى جناية معناه أن المعهد لم يعد يصلح.
ولا أدري لماذا تجددت منذ أيام عملية التشكيك في مهمة المعهد وانجازاته من قبل البعض، وقام البعض مجددا بالخلط بين مخالفات مالية وقعت ويتحملها المسؤولون عنها، وبين مهمة المعهد ودوره وبرامجه وإنجازاته، وهو شيء يبين سوء النية المبيت تجاه هذا المعهد، فالخطأ الإداري يتحمله أصحابه، أما المعهد فلا يسقط بسقوط بعض العاملين فيه.
من أوجه النقد العجيبة التي وجهها البعض للمعهد، قول بعضهم ان المعهد “ليست لديه قراءة لاحتمال ما سيجري في الانتخابات النيابية القادمة، وأنه لم يسهم في تطوير قدرات أعضاء المجلس النيابي ومجلس الشورى لتفعيل دورهم على أسس أكثر ديمقراطية”.
فكيف بالله نفهم هذا الكلام المرسل؟ وكيف توصل أصحاب هذا الكلام إلى أن المعهد لم يتمكن من تطوير قدرات النواب على النحو المذكور؟ أو بمعنى آخر: على أي معيار أو آلية صدر هذا الحكم؟ وكأن النواب تلاميذ كانوا يتعلمون في هذا المعهد ولم ينجحوا في الامتحان، أم أنه يراد تحميل هذا المعهد مسؤولية الأداء السيء لبعض النواب الذين ينطلقون من قناعات وخلفيات لا يمكن للمعهد ولا لغيره أن يغيرها.
ليس من المقبول أبدا أن نسيء إلى مؤسسة وطنية هي من أهم أدوات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك لمجرد انحراف أحد العاملين بها. ولابد لنا أن نتذكر أن البحرين اختارت طريقها واختارت الممارسة الديمقراطية دون أن يصدرها إليها أحد ومن قبل أن تبدأ موجة نشر الديمقراطية التي مارست الدول الكبرى الضغوط على غيرها من الدول من أجلها. ولذلك فمعهد التنمية السياسية لم يأتي إلى الوجود لكي يكون أداة حكومية ولا ليكون أداة تجميل لأحد.