مصر… هل آن وقت العمل؟

مصر… هل آن وقت العمل؟

الأخبار الاقتصادية القادمة من مصر تبعث على التشاؤم حول قادم الأيام في أرض الكنانة، فالاقتصاد المصري الذي يعتمد في جزء منه على السياحة تعرض للإنهاك الشديد على مدى أكثر من عامين من التظاهرات والإضرابات ذات الأهداف السياسية والفئوية على حد سواء وهو ما أدى إلى تناقص الاحتياطي الاستراتيجي لبلد تعداده يصل إلى تسعين مليون نسمة ويستورد معظم غذائه من الخارج.
خبراء الاقتصاد في مصر يقولون إن احتياطي البلاد من العملة الأميركية قد وصل إلى حده الأدنى المسموح به وإذا نقص عن ذلك قد يتعرض الاقتصاد المصري لمخاطر كبيرة، خاصة أن التصنيف الائتماني لمصر نال نفس التقييم الذي نالته اليونان وهو ما يعني أنها أصبحت على حافة الخطر.
وبغض النظر عن ما تمخضت عنه الفترة الانتقالية التي تلت سقوط حكم الرئيس حسني مبارك من صراعات وتمزقات سياسية وضغائن قد يطول مداها، وبغض النظر عن وجود أخطاء أو ممارسات لا تتناسب مع ثورة عظيمة قامت ضد الطغيان والفساد، إلا أن حالة مصر الراهنة حسب ما يراه خبراء الاقتصاد على وجه الخصوص، لم تعد تحتمل أية تظاهرات أو صراعات بعد أن انتقل اقتصادها إلى غرفة العناية الفائقة.
الحل إذا هو أن يتخلى المصريون ولو مؤقتا عن ضغائنهم وعن كل أحاسيسهم السلبية التي ملأت صدورهم وجعلتهم يتقاتلون في الشوارع والميادين، ليس عن ضعف أو استسلام من قبل طرف لطرف آخر، ولكن من باب الشهامة والخوف على بلدهم العظيم الذي لا يجب أبدا أن يسقط لأن سقوطه سيضيع حاضر ومستقبل الأمة بأجمعها.
مهما كان الشعور بالظلم والإحباط ومهما كانت شهوة الانتقام التي يحملها البعض للبعض الآخر، فلا مجال الآن إلا لحماية البلاد مما يحدق بها من أخطار.
لابد أن يعود الجميع للعمل والإنتاج ولابد أن يعود الأمن لكي يعود المستثمرون الذين رحلوا ويعود السياح الذين ذهبوا إلى وجهات أخرى بسبب ضياع الأمن.
لا فائدة ستجنى من انتصار طرف على طرف بعد أن تكون الأمة قد خسرت كل شيء، ولا فائدة في اللحظة الحالية من الإصرار على محاكمة هذا الطرف أو ذاك لأن الخسارة ستعم الجميع، وهناك أمثلة كثيرة وواضحة وقريبة من مصر انتهت بها صراعاتها المشابهة إلى التقسيم وأخرى انتهت بها صراعاتها إلى الزوال.
اليوم صراعات بين جماعات الاسلام السياسي مجتمعة وبين أطراف أخرى، وغدا قد تنشب صراعات بين هذه الجماعات وبعضها البعض أو بين بعض منها وبين المسيحيين، وهذا ما لا يتمناه عربي واحد لأرض الكنانة العزيزة علينا، لأن نتيجته يعرفها الجميع.
المصالحة الوطنية يجب أن تكون البند الأول على أجندة أهل الحكم في مصر خلال هذه المرحلة، قبل القوانين وقبل الدستور، فلا خير في دستور يعقبه التمزق والخراب، ولا خير في قوانين تزيد النفوس غضبا ورغبة في الانتقام.
الشعوب تصنع الدساتير والقوانين لتزداد تماسكا وتزداد التفافا حول حكامها لا لتتمزق وتصبح طوائفا يكره بعضها بعضا.
وليعلم كل الوطنيين في مصر أن كل الدول التي تمزقت جغرافيا قد مرت أولا بمراحل من التمزق الاجتماعي.