لمن لا يعرف اللهجة المصرية،نقول أن تعبير “مصر مش عزبة” معناه أن مصر ليست ملكا لفرد أو جماعة يتصرف فيها كيف يشاء كما يتصرف في عزبته،أي أرضه أو ضيعته.
ولمزيد من التوضيح،فالعزبة من الناحية التاريخية هي مساحة من الأرض الزراعية يملكها أحد الأثرياء أو أصحاب النفوذ أو الباشوات الذين كانوا يملكون معظم أراضي مصر قبل ثورة يوليو 1952،في الوقت الذي كان فيه غالبية المصريين فقراء يعملون في هذه العزب أوالاقطاعيات.
كلمة عزبة إذن ترادف في مخيلة المصريين الظلم والاقطاع وانفراد سيد واحد بكل شيء وعلى الباقين أن يعملوا لديه صاغرين بلا حقوق واضحة ،سوى قوت يومهم.
وخلال الأسبوع الماضي،امتلأت الصحف ووسائل الاعلام المصرية بعبارة”مصر مش عزبة”،تلك العبارة التي استخدمتها قوى سياسية مصرية عديدة ونشطاء سياسيين كشعار لمظاهرات تنطلق في أنحاء مصر لرفض هيمنة الاخوان المسلمين على مقدرات الحياة السياسية في مصر،وبخاصة مسألة صياغة الدستور،لأن الدستور هو الشيء الأكثر دواما،وبالتالي لا يجب أن يأتي معبرا عن فصيل واحد دون بقية البلاد.
الاخوان المسلمون الذين تعرضوا للتنكيل والسجن والحرمان من ممارسة حقوقهم السياسية خلال نصف قرن أو يزيد،أصبحوا الآن يواجهون درجة كبيرة من الكراهية والرفض من قبل قطاعات واسعة من المصريين،ليس فقط لأنهم أصبحوا في كراسي الحكم وعليهم أن يحققوا أحلام الملايين من الفقراء والعاطلين ويوفروا الزاد والوقود للشعب المكتوي بنار الأسعار،ولكن لأنهم أساءوا إدارة المرحلة التي تلت سقوط نظام حسني مبارك،وبخاصة بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الاخوان رئيسا لمصر.
أول أخطاء الإخوان المسلمين من وجهة نظري أنهم خططوا وتفرغوا للسيطرة على كل المؤسسات في مصر ولم يتفرغوا لصنع هذه المؤسسات،والفرق واضح جدا بين المعنيين ،فقد ركز الاخوان جهدهم ليحلوا في كل شيء محل الحزب الوطني البغيض الذي كرهه المصريون وثاروا ضده.
الحزب الوطني كان يهيمن على كل المجالس النيابية والمحلية،وكان يعين أتباعه في كل المناصب،ابتداء من المحافظ وحتى المدير الصغير، والحزب الوطني كان يعدل في الدستور كما يشاء،طالما ان التعديلات تخدم نظام مبارك وتضمن توريث الحكم لنجله،وكانت مصر عزبة للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.
والاخوان المسلمون فعلوا كل هذه الأشياء تقريبا،بما فيها المادة التي تضمن بقاء الرئيس في الحكم حتى آخر مدته بعد إقرار الدستور،وبالتالي بدأ المصريون يشعرون أن مفهوم العزبة بدأ يعود من جديد،فالأحوال الاقتصادية سيئة،والأحوال السياسية لم تختلف عما مضى،وأحسوا أنهم استبدلوا “حزب وطني” بدون لحية ب”حزب وطني” له لحية.
وما زاد الطين بلة أن جماعة الاخوان قامت الجمعة قبل الماضية بتوجيه جحافلها إلى ميدان التحرير ليقوموا بضرب المتظاهرين المحتجين على السياسات الحالية ،وهو ما يعد تطورا جديدا لم تره مصر ولا غيرها من قبل ،فالحزب الوطني الذي كان بغير لحية كان يعتمد على المؤسسة الأمنية للتعامل مع الاحتجاجات،ولكن الإخوان (الحزب الوطني صاحب اللحية) أبدعوا في هذه المسألة وقرروا تأديب الناس بأيديهم.ِ