ما هذه الصور التي نراها في مصر؟ كأننا على أبواب الحرب الأهلية؟ حصار منشآت،وكر وفر بين المحتجين وبين رجال الشرطة وإشعال حرائق في كل مكان وتعطيل القطارات وقطع الطرق والاضرابات،وكل يوم جمعة مظاهرة تحت عنوان جديد،وكأن النظام لم يسقط ولم يأت نظام جديد للحكم!
الجمعة الماضية كانت مليونية تحت عنوان “رد الكرامة”،والمقصود برد الكرامة هنا هو الثأر من جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي،الذي لم يحكم يوما واحدا دون مظاهرات رغم كونه أول رئيس مصري في تاريخ مصر تقريبا يأتي عبر صناديق الاقتراع.
المحتجون انتقلوا من التحرير ومن محيط القصر الجمهوري إلى محيط المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين بمنطقة المقطم بالقاهرة،فما الذي حدث؟
كانت الاحتجاجات تدور أمام مكاتب المسئولين الحكوميين ابتداء من مكاتب الوزراء ووصولا إلى القصر الجمهوري،فلماذا اتجه المتظاهرون إلى مكتب المرشد العام للإخوان المسلمين وحاولوا اقتحامه وإشعال النار فيه؟ولماذا حدث نفس الشيء لمقرات الإخوان وحزب الحرية والعدالة التابع للجماعة في الكثير من محافظات مصر كما تابعنا على الفضائيات؟
السبب الذي دفع المحتجون إلى الاشتباك المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين هو شعور الناس أن الجماعة هي التي تحكم مصر وأنها تمارس وصايتها على الحكومة وعلى قصر الرئاسة وأنها تفعل ما تشاء،خاصة فيما يسمى أخونة الدولة المصرية،أي تمكين رجال الإخوان من كل مفاصل الدولة وتعيينهم محافظين ونواب محافظين ووكلاء وزارة في كافة الوزارات ودفع أبناء الإخوان إلى صفوف الجيش والشرطة والقضاء وكل ما كانوا محرومين منه في عهد حسني مبارك ومن قبله.
كل هذا جعل الناس يشعرون بأنهم انتقلوا من نظام كان يسعى للتوريث ولا يقرب إلا أتباعه ،إلى نظام لا يختلف كثيرا عن الذي قبله،فكان الإحباط وفقدان الأمل في مستقبل أفضل،خاصة وأن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والأمنية قد أصبحت أسوأ بكثير مما كانت عليه أيام مبارك!
الشيء المقلق في وسط هذا الجو المشحون وهذا العنف الذي يتنامى مثل البكتريا في أنحاء البلاد هو عدم وجود أي تحرك سياسي يهدف إلى نزع فتيل التوتر الذي يكتنف البلاد،لا من قصر الرئاسة ولا من أي جهة في داخل البلاد،وترك الأجهزة الأمنية المرهقة – التي عانت في فترة الثورة التي أسقطت مبارك ولا تزال تعاني حتى اللحظة- لتتعامل مع الموقف برمته وتصطدم كل يوم بالمحتجين وتتلقى لعنات الشعب.
فإلى متى سيستمر هذا الوضع المدمر في مصر؟ومتى سيستمع الإخوان المسلمون إلى صوت المحتجين وينشغلوا بأوضاع الناس وهمومهم بدلا من التركيز التام على إتمام أخونة الدولة؟ وما الذي سيستفيده الإخوان إذا تأخونت ثم سقطت؟