قبل سقوط نظام حسني مبارك في مصر كانت إيران تستغل حالة الاستياء المتفشية ضده بين الشعوب العربية في تمرير مزايداتها وأكاذيبها حول القضية الفلسطينية،وكان الكثير من السذج يبتلعون هذه المزايدات ويعتبرونها حامي حمى الاسلام،وأن أهل العروبة قد فرطوا في المقدسات،وكان السذج ينبهرون بالخطب الحنجورية لكبير وكلائها في بلاد العرب وهو يجلجل وسط الحشود حول المقاومة التي لا تريد من العرب شيئا سوى أن «يحلوا عنها» حسب لغته المحلية.
ولكن إيران – حتى بعد مجيء نظام مصري ينتمي إلى الجماعة التي ترعرعت في كنفها حركة حماس الفلسطينية – لا تزال تصر على نفس التكنيك القديم وتريد أن تتجمل أمام خدامها من أبناء العرب.
وزير الخارجية الإيراني أراد أن تسمح له مصر بزيارة غزة عن طريق معبر رفح،لا ليساعد أهل غزة أو يتضامن معهم،ولكنه أراد أن تزداد الأمور اشتعالا إلى أن تتطور إلى حرب شاملة تدخلها مصر وينجر إليها بقية العرب،وبالتالي تضيع كل جهود التهدئة التي يمارسها العرب لوقف العدوان الغاشم على القطاع.
إيران تعلم علم اليقين أن دخولها هي بالذات على الخط سيؤدي إلى اتخاذ دول الغرب موقفا آخر لا يصب بأي شكل في مصلحة الفلسطينيين،وبالتالي طلبت من مصر أن تسمح لوزيرها بالمرور إلى غزة،فإذا سمحت له مصر يتحقق لها ما أرادت،وإن لم تسمح يتحقق لها شيء آخر وهو أنها أدت ما عليها ولكن مصر منعتها من دعم الفلسطينيين.
أما وقد رفضت مصر السماح للوزير الإيراني بهذه الزيارة،فقد تفرغ ساسة إيران لإعطاء دروس للعرب حول ما ينبغي القيام به تجاه المقاومة في غزة وضرورة تقديم الدعم اللائق لهذه المقاومة.
إيران منذ كانت إيران لا تعرف سوى مصالحها الشخصية ولا تبكي على فلسطين ولا على غيرها،ولكنها تستثمر القضية الفلسطينية في صراعها مع الغرب دون أن تقدم شيئا حقيقيا لهذه القضية،فهي دائما تأكل بأسنان غيرها.
لو كانت إيران تريد تقديم مساعدة حقيقية لحماس لكانت قد أرسلت رجالها الذين يقتلون الشعب السوري المسلم في سوريا إلى غزة لمحاربة إسرائيل و لكانت قد أرسلت سلاحها الذي يقتل السوريين إلى غزة ليستخدمه الغزاويون في حربهم ضد العدو الصهيوني،أو كانت وجهت صورايخها التي تهدد بها دول الخليج العربية المسلمة إلى الجولان المحتلة وفتحت جبهة جديدة على إسرائيل،بدلا من انشغالها هي ونظام الأسد بذبح السوريين.
ولكن إيران لا تريد سوى إشعال الحرب بين العرب وبين إسرائيل حتى وإن كان العرب غير مستعدين لهذه الحرب،لأن هذه الحرب سوف تجعلها تتفرغ لمشروعاتها الخاصة ،بعد أن ينشغل العالم كله ببؤرة الصراع الجديدة بين العرب وإسرائيل.
إيران على استعداد أن تضحي بالفلسطينيين وبحماس وبكل العرب،بما فيهم وكلاءها المعتمدون في لبنان وفي البحرين،إذا استطاعت أن تعقد صفقة مع الغرب تضمن لها برنامجها النووي.