لا شك أن مرضى السكلر وغيره من الأمراض كالكبد والقلب والسرطان… وكل أصحاب الأمراض التي خلقها الله يستحقون كل رعاية من العاملين في القطاع الصحي، وإذا ثبت أي إهمال أو تقصير في أداء أي إنسان مؤتمن على أرواح الناس لابد أن ينال العقاب الرادع، فمهنتا الطب والتمريض تختلفان عن بقية المهن، ولابد أن تزداد مساحة الجانب الإنساني على الجانب المادي لدى من يعملون بهاتين المهنتين.
هذا هو ما يجب أن نقوله تعليقا على تجمهر بعض أهلنا من مرضى السكلر قبل أيام أمام مجمع السلمانية الطبي تعبيرا عن حزنهم لوفاة أربعة من المرضى في يوم واحد. ونحن لا نلومهم، بل نطالب بتقديم كل الرعاية الممكنة لهم، ولكننا في الوقت ذاته لابد أن نناقش المسألة بقدر من الإنصاف حتى لا تختلط الأمور ويصبح التسييس أساسا لكل شؤون حياتنا.
إذا كان هناك إهمال قد وقع في رعاية هؤلاء المرضى، فليس من شأن المرضى أنفسهم أن يواجهوا المشكلة على النحو الذي حدث لأنهم يعرضون أنفسهم للخطر ويعطلون سير العمل بالمستشفى، وهو ما يضر بهم وبغيرهم، وكان من الأفضل أن يتولى ذووهم هذه المهمة بتقديم شكاوى لإدارة المستشفى أو لوزارة الصحة.
رئيس جمعية السكلر من حقه أن يطالب وزير الصحة بمعاقبة المقصر إذا كان هناك تقصير قد وقع، فمهمته كرئيس للجمعية أن يدافع عن هؤلاء المرضى ويبين لهم أنه يدافع عنهم، ولكن ليس من حقه أن يقول أن المرضى سيضربون عن الطعام إذا لم يحاسب المسؤول عن وفيات السكلر، لأن في هذا خلط للأمور وتسييس لا يخدم المرضى لا من قريب ولا من بعيد.
ومن الذي يتحمل مسؤولية مريض بهذا المرض عندما يضرب عن الطعام؟ وكيف سيتم أصلا إقامة الدليل على وجود تقصير طالما أنه يتم إعطاء المرضى العلاج المناسب وفق المعايير الطبية المعروفة في التعامل مع هذا المرض؟ صحيح أن وفاة أربعة من المرضى في يوم واحد شيء يؤدي إلى الحزن والتساؤل في بلد صغير كالبحرين، ولكن ذلك ليس في حد ذاته دليلا علميا على أن وفاتهم جاءت نتيجة لإهمال أو تقصير في رعايتهم. فمريض السكلر، ومريض الكبد، ومريض القلب، ومريض السرطان حتما يموت عندما يصل المرض إلى مرحلة معينة ويحدث مضاعفات يعجز العلم عن التعامل معها، فالموت هو النهاية الحتمية لكل حي. ومن لا يزوره مرض من الأمراض السابقة أو غيرها ستزوره الشيخوخة بعد حين لتأخذ به إلى نفس المصير.
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته… يوما على آلة حدباء محمول.
هذا الكلام ليس دعوة للتواكل وترك العلم، وليس دفاعا عن مقصر، فمن يثبت عليه التقصير لابد أن ينال أشد العقاب، ولكن لا يجب أن نتعامل مع الأمر بهذا الشكل من الغضب.
السؤال الذي نريد إجابة عليه في هذا السياق هو: لماذا مع مرضى السكلر وحدهم يكون التقصير؟ لو كان هناك مقصرون في مستشفى السلمانية فحتما سيكون التقصير عاما وليس مع هذا النوع من المرضى فقط.
وهناك سؤال آخر لا يقل أهمية: هل مرض السكلر من الأمراض المكتشفة حديثا لكي نشك مثلا أن القطاع الطبي في البحرين لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب في التعامل معه؟ أليست هناك معايير عالمية وعلاجات عالمية متبعة في التعامل مع هذا المرض؟ سيكون من حق المرضى ومن حق ذويهم ومن حقنا جميعا أن نغضب إذا ثبت أن وزارة الصحة في البحرين بعيدة عن هذه المعايير، ولكن الموت في حد ذاته ليس سببا للغضب، كما أن التظاهر والإضراب عن الطعام ليس حلا لمرضى السكلر.