عندما كتبت في عمودي السابق عن الفضيحة الإعلامية المدوية التي صاحبت محاكمة الصحفية السودانية لبنى الحسيني بسبب بنطلونها لم أكن أقصد توجيه أي نقد للتعامل الحكومي السوداني مع هذه الحادثة، ولكنني قصدت التوضيح أنه قد آن الآوان لأن تتعامل الحكومات ورجال الدين على وجه الخصوص مع تكنولوجيا الاتصال الهائلة بما تستوجبه هذه التكنولوجيا من حرص. فعلى رجال الدين ألا يسمحوا لأحد باستدراجهم بخبث وتوظيف كلامهم على نحو يسيء إليهم ويسيء إلى الدين ، رغم أنهم أي رجال الدين يفعلون ذلك على ما أظن بحسن نية.
ولا بد أن نشير في هذا السياق إلى حادثة بسيطة وقعت فى مصر قبل أيام، وهى حادثة تبين أن رجال الدين – مع تقديم كل الاحترام لهم جميعا – يمكن أن يتم الإيقاع بهم في أفخاخ إعلامية قاتلة ، من قبل وسائل تهمها الإثارة أكثر من أي شيء آخر.
فقد تحول سؤال أطلقه أحد الخبثاء إلى نقاش حاد وإلى قضية فقهية خصصت لها المساحات على صفحات الصحف. هذا السؤال كما سمعته من إحدى القنوات الفضائية المصرية هو : هل تزغيط البط حرام أم حلال. مقدم البرنامج لم يفته أن يشرح أن تزغيط البط هو إطعام البط بحبات الذرة على غير رغبة من هذا البط ، وذلك ليتم تسمينه بشكل أفضل.
وكان هذا السؤال قد فجر نقاشا على مدى أيام على صفحات الصحف قبل أن تتناوله هذه الفضائية بالنقد.، وكان هذا النقاش الحاد قد انتهى برجال الدين إلى نظرية فقهية مؤداها أن “ تزغيط البط” حلال إذا توفرت له شروط معينة ، من بين هذه الشروط أن تكون الحالة الصحية للبطة تسمح بتزغيطها .
وقبل فترة ، تتجاوز العامين ربما، كنا قرأنا عن حملة إعلامية مسعورة نشبت في إحدى الدول العربية لا أتذكر هل هي سوريا أو لبنان على خلفية قيام احد الكتاب أو الصحفيين باتهام سيدة متدينة تدير إحدى المدارس الدينية بأنها تحرم نوم المرأة إلى جوار الحائط لأن الحائط مذكر ، ولا يجوز أن تنام المرأة بجانب ذكر لا يحل لها. وكانت النتيجة بالطبع هي حملة متبادلة من الطرفين نال فيه كل طرف من الطرف الآخر بقدر المستطاع، وبالطبع ليس هناك مستفيد من هذه الحادثة العبثية إلا من يقوم بترجمتها ونقلها للقارئ الغربي كوسيلة من وسائل التشويه .
ومع الفرق بين حادثة الصحفية السودانية وحادثة المرأة والحائط وتزغيط البط ، وبغض النظر عن الظالم والمظلوم في كل حادثة على حدة ،فهذه الأحداث تتساوى في خاصية معينة ،وهى كونها تستخدم للتهكم على العرب والمسلمين ووصفهم بالتخلف.
أنا لم أكتب هذا الكلام من أجل التسلية والدليل على ذلك أن هناك قائمة كبيرة من أحداث وفتاوى سمعنا عنها وملأت الفضائيات قبل فترة ليست بعيدة تدخل في نطاق ما تناولته هنا ، ومن بين هذه الفتاوى ، الفتوى الخاصة بإرضاع الكبير.