متى تستقر مصر؟

متى تستقر مصر؟

 الثورة المصرية قامت بسبب الفقر والبطالة والأحلام المحطمة وسيطرة عائلات بينها على كل شيء في البلاد،في مقابل ملايين يعانون الفقر والحرمان،وبعد ان زال النظام القديم اعتقد ملايين المصريين أنهم سينتقلون انتقالا فوريا إلى حياة اقتصادية واجتماعية أفضل من التي عانوا منها خلال ثلاثة عقود.
 ولكن لأن مصر تعرضت خلال سنوات طويلة للنهب المنظم والفساد الذي وصل إلى مدى غير مسبوق ربما في تاريخها كله،فمن المستحيل على اي حكومة مهما كانت خبرتها أن تحقق احلام ملايين الفقراء دفعة واحدة،فجميع الفئات تتظاهر وتمارس الاضراب من أجل رواتب أفضل،ابتداءا من الأطباء وحتى العمال البسطاء.
 حتى رجال الشرطة المنوط بهم إقرار الأمن والنظام مارسوا التظاهر والاضراب من أجل أوضاع وظيفية ومالية أفضل.
 ولو نظرنا إلى الاحتجاجات التي وقعت في مصر بعد اسقاط النظام السابق وبعد تمكن جماعة الاخوان المسلمين من الامساك بمقاليد الأمور ،لوجدنا أن هذه الاحتجاجات ،من كافة الزوايا ،أكثر من الاحتجاجات التي وقعت خلال الثلاثين عاما التي سبقت الثورة.
 صحيح أن الحكومة المصرية الحالية ،أو النظام المصري الجديد لا ذنب لهما في الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلاد،ولكن الاسراف في الوعود الذي مورس خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية من قبل الاخوان المسلمين كان ولابد أن يجعل المصريين بكل فئاتهم يشعرون بصدمة كبيرة بسبب بقاء الحال كما هو عليه أو إزدياده سوءا لدى كثير من الفئات بسبب نار الأسعار التي تكويهم.
 فقراء مصر حاليا هم الذين يدفعون ثمن كل شيء،فإلى جانب أنهم متضررين أكثر من غيرهم من جنون الأسعار وقلة الدخل،فهم الذين يدفعون ثمنا مباشرا لاحتجاجات غيرهم من الفئات،فإضراب الأطباء لا يوجع ولا يبكي سوى الفقراء الذين شاهدنا دموعهم على شاشات الفضائيات ،محرومين من العلاج،أو عاجزين عن فعل شيء لذويهم من المرضى الذين يواجهون الموت على أبواب المستشفيات.والفقراء هم الذين يدفعون ثمن إضراب النقل العام وسيارات الأجرة(الميكروباص) لأنهم لا يملكون سيارات خاصة،والفقراء هم الذين يدفعون ثمن إضراب مدرسي وزارة التربية والتعليم،لأنهم لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة مثل الأغنياء.والعاطلون الذين يعانون البطالة ولايحصلون على أي رواتب  يدفعون ثمنا لاحتجاجات غيرهم من أصحاب الرواتب لأن احتجاجات أصحاب الرواتب تمنع الحكومة من الالتفات لمن لا رواتب لهم.
 في تصوري أن السبيل أمام الحكومة المصرية في الوقت الحالي هو المصارحة التامة لأبناء الشعب حول الأوضاع الحقيقية للاقتصاد المصري وقدرة هذا الاقتصاد على الوفاء بالتطلعات الكبيرة لكل الفئات من أجل أن تتحمل فئات معينة مثل الأطباء والمدرسين وغيرهم من الفئات المسئولية الأخلاقية تجاه البلد الذي يعيشون على أرضه ويخشون سقوطه لا قدر الله.
 الدولة المصرية حاليا تعد في حالة حرب،وحالة الحرب تقتضي من الوطنيين المحبين لبلدهم أن يتحملوا مسئوليتهم وأن يقدموا تضحيات حتى لا تهزم بلدهم على أيدي أعدائها ويخسر الجميع كل شيء بسبب الأنانية الفئوية التي نراها الآن والتي تأخذ من رصيد فئات أشد فقرا لتعطي لأصحاب الصوت العالي القادرين على إمساك الدولة من الموضع الذي يؤلمها.
 مع تمنياتنا لأرض الكنانة بكل تقدم وازدهار