من أسوأ المواقف التي تواجه الدبلوماسي ذلك الموقف الذي يعيشه عندما تتعرض دولته لظروف غير طبيعية وهو يعمل في الخارج، كأن تتعرض هذه الدولة للاحتلال كما حدث للعراق مثلا، ونحن نتذكر الموقف الذي كان فيه السفير العراقي في الولايات المتحدة عندما سقطت بغداد، حيث غلبته دموعه وقال جملته التي ترددت آنذاك في وسائل الإعلام: لقد انتهت اللعبة.
ومن الصعب أيضا على الدبلوماسي أن يسقط نظام الحكم الذي بعثه ليمثله او ليمثل الدولة في الخارج، لأن هذا الدبلوماسي يجد كل شيء قد تغير فجأة ويجد أركان النظام الذي كان ينطق باسمه تحولوا إلى متهمين بعد ان كانوا ملأ السمع والبصر.
عند هذه اللحظة يشعر الدبلوماسي بحرج بالغ فهل يظل على ولائه للنظام الذي طالما دافع عنه ونطق باسمه؟ أم ينقلب عليه كبقية أبناء وطنه؟والحقيقة أن الخيارين كلاهما مر، فإذا انقلب على النظام الذي أوفده فسوف يقال عنه انه انتهازي حتى إن كان غير ذلك، وإذا ظل على ولائه فلن ينال أي شيء وسوف ينظر إليه على أنه جزء من هذا النظام الراحل، وقد يتحرش به البعض ليجدوا له تهمة معينة يعاقب بها هو الآخر كما عوقب بقية رجال النظام.
من المؤكد أن سفراء تونس ومصر واليمن وليبيا في دول العالم تعرضوا لهذا الموقف الصعب خلال الأوقات العصيبة التي مرت بها بلادهم خلال الثورات الشعبية التي انطلقت فيها.
وكان من حسن حظ السفراء المصريين والتونسيين على وجه الخصوص أن الموقف انتهى بسرعة ولم تطل بهم المعاناة والصراع النفسي حول القرار الصحيح الذي يجب اتخاذه لحفظ ماء الوجه، حيث سقط النظامان المصري ومن قبله التونسي بسرعة لم تكن متوقعة، وبالتالي كان قرار السفراء المصريين في الخارج الاندماج مع الوضع الجديد، وبدأوا ينطقون باسم الثورة وباسم التغيير دون قلق على مستقبلهم الوظيفي.
أما السفراء والدبلوماسيون الليبيون والسوريون واليمنيون وغيرهم، فهم الأسوأ حالا لأن الأمور ليست واضحة بالنسبة لهم رغم مرور وقت طويل ورغم سقوط أعداد كبيرة من القتلى.
ولكن “محمود سالم احمد عبدالرحمن”، دبلوماسي ليبي أخذ قراره مبكرا وانقلب على نظام القذافي بعد أن خدم في البحرين لمدة أربع سنوات في خدمة هذا النظام، ولكنه رفض ممارسات نظام القذافي وقرر الاستقالة من الخدمة، على الرغم من أن غيره من أعضاء السفارة (مكتب الاخوة) لا يزالون مستمرين في عملهم.
اتصل بي هذا الدبلوماسي وشرح لي مأساته فتأثرت له، حيث انه حاليا بلا عمل ويخشى العودة إلى ليبيا، ولديه ستة أبناء يدرسون جميعا في مدارس وجامعات البحرين، وطلب مني مساعدته في الحصول ولو على إقامة مؤقتة في البحرين حتى تتضح الأمور في ليبيا وحتى ينتهي أبناؤه من دراستهم بالمملكة.
وترددت لفترة طويلة قبل أن أكتب عن حكايته، على اعتبار أن المسألة تتصل بالجهات السيادية في المملكة، وهي التي تقرر ماذا تفعله تجاه هذا المواطن العربي، ولكنني رأيت في النهاية أن أشير إلى مأساته من باب الإنسانية وأترك الأمر لأصحاب القرار في هذا الشأن.