بعد عامين كاملين على الثورة الليبية التي قامت ضد معمر القذافي والتي انتهت بمقتله لم يصبح الليبيون أحسن حالا مما كانوا عليه قبل الثورة، بل أصبحوا أسوأ حالا دون أدنى مبالغة.
طبيعة الأشياء تقتضي أن يحتفل الناس وأن يفرحوا في ذكرى الثورات التي تقتلع الطغاة وتأتي بالحرية وتجعل الرخاء يحل محل الحرمان والعدل يحل محل الظلم.
ولكن الذكرى السنوية للثورات العربية ومن بينها الثورة الليبية تمر والدماء تسيل أكثر مما كانت والأوضاع الاقتصادية تزداد كل يوم تدهورا والمستقبل لا يبدو زاهرا كما حلمت الشعوب.
بعد عامين، جاءت ذكرى الثورة الليبية والبلاد لا تزال مفككة تعمها الفوضى، لا جيشا وطنيا تم تكوينه ليحمي البلاد ويحفظ أمنها ويمنعها من التفكك، ولا نظاما إداريا يدير شؤون البلاد ويسير مصالح الناس في المحافظات، ولا جهاز شرطة وطني يبسط الأمن في البلاد ويقضي على المليشيات التي تمارس العنف وتفرض قوانينها الخاصة على البلاد والعباد.
إذا كان كل هذا غير موجود، فما هو الذي جناه الشعب من الثورة وما هو ثمن دماء الشهداء الذين سقطوا خلال الثورة؟.
صحيح أن الثورة قامت ضد الدكتاتورية وأسقطتها، ولكنها لم تحقق شيئا من طموح الشعب الليبي حتى اللحظة.
فما هو السبب في عدم نجاح الذين أتوا للحكم في ليبيا وغيرها في تحقيق الأمن وبناء الدولة؟.
هل العيب في الديمقراطية التي قامت من أجلها الثورات العربية؟ أم العيب في الشعوب العربية ذاتها؟ أم أن الثورات العربية هي مؤامرة تم تنفيذها لتفكيك هذه الدول بواسطة عوامل وسمات وتركيبات ونعرات داخلية في هذه الدول؟
هذا الكلام يمكن أن يثير غضب الذين امتلكوا مقاليد الأمور في الدول العربية ويثير غضب الحالمين الطامحين إلى مزيد من الثورات، ولكن الحقيقة واضحة للجميع، فتيارات الإسلام السياسي التي أجلستها الشعوب المسكينة على كراسي الحكم اعتقادا منها أن أيديهم أنظف من أيدي غيرهم لا تزال مثل جسم غريب لا يستطيع أن يستقر داخل الجسد العربي.
هذه التيارات سواء في ليبيا أو في مصر أو تونس أتت للحكم فجأة ودون استعداد ولم تكن هي نفسها تتخيل أن تمارس الحكم والإدارة في هذه اللحظة التاريخية، فهي بلا خبرة في شؤون الحكم رغم أنها تمتلك كوادر علمية رفيعة في كافة فروع العلم والمعرفة.
الكوادر العلمية الرفيعة لا تكفي وحدها لإدارة دولة خزائنها فارغة مثل مصر، أو دولة مفككة الأوصال، بلا نظام إداري أو جيش أو شرطة نظامية مثل ليبيا، ولكن الكوادر التنفيذية التي تدربت ومارست الإدارة هي التي تستطيع القيام بالمهمة، وهذا شيء لم تسمح به هذه التيارات التي أرادت الهيمنة على كل شيء من أجل تثبيت أقدامها في حكم طالما اشتاقت إليه، ولكنها لم تكن تعلم أنها ستتفاجأ بالخزائن الفارغة وبالقبلية والطائفية التي تأخذ هذه الدول نحو التفكك.