كل العرب يعرفون الآن أن هناك خطة عالمية لتقسيم الأمة العربية إلى دويلات صغيرة وإنهاء أية قوة لهذه الأمة إلى الأبد، ويعرفون الأطراف الإقليمية المشاركة في هذه الخطة ويعرفون بوضوح أن هناك دولا عميلة وجماعات دينية سياسية تتولى تنفيذ هذه الخطة وتمارس القتل والتدمير في كل أنحاء الأمة من أجل اتمامها،تلك الجماعات التي تحولت من قتال الاتحاد السوفيتي إلى قتال أميركا ثم إلى قتال المسلمين أنفسهم.
الكل – حكاما ومحكومين – يعرف هذه الحقيقة، والطوائف والأحزاب والجماعات المتقاتلة أيضا تعرف هذه الحقيقة، وأطفال المدارس الإعدادية وربما الابتدائية يعرفون أن الأمة العربية تتعرض لمؤامرة من خارجها وتتعرض للخيانة من داخلها – ومع ذلك فالشعوب العربية تبدو وكأنها منومة مغناطيسيا وأنها مستسلمة للمصير الذي ينتظرها.
والسؤال هنا هو: لماذا لم تسقط الأمة حتى الآن رغم هذه المليارات التي ينفقها الخونة والمغفلون على جماعات الإرهاب التي تنهش في جسد الأمة مثل الفيروس القاتل؟
في رأيي هناك سببان حتى الآن يمنعان سقوط الأمة وانتهاءها، السبب الأول هو أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال حتى الآن متماسكة ولم يتم اختراقها وتشتيت قراراتها وجعلها تسير في اتجاهات مختلفة أو معاكسة لبعضها البعض.
لقد جرت محاولات كثيرة واخترعت أسباب واختلقت ظروف معينة لضرب هذه الوحدة التي تعد حتى الآن العقبة في مواجهة أصحاب المؤامرة، ومع ذلك لم تنجح هذه المحاولات بسبب يقظة القيادة السعودية وإلمامها التام بأبعاد هذه المؤامرة وأطرافها وأدواتها وقيامها في مناسبات كثيرة بالتحرك الهادئ الواعي بوأد هذه المحاولات في مهدها ودون أي ضجيج أو تصفية حسابات مع أحد، وساعد على ذلك التفاف الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين حول الشقيقة الكبرى والقيام بما يجب القيام به من أجل الصمود في وجه المؤامرة.
أما السبب الثاني، وهو مرتبط بشدة بالسبب الأول وهو: أن مصر استعصت، حتى هذه اللحظة على المؤامرة،بعد أن ظن المتآمرون أنهم قادرون عليها وأنهم على بعد خطوات من اسقاط أرض الكنانة في الفوضى وراهنوا على أن الجيش المصري سينقسم ويتحلل كما حدث مع غيره من الجيوش العربية.
والذي يريد أن يعرف أكثر عن ارتباط السبب الثاني بالسبب الأول عليه أن يراجع صور القادة الخليجيين وهم يتحدثون على منصة المؤتمر الاقتصادي في شرم شيخ في مصر، ذلك المؤتمر الذي سبق أن دعا إليه الراحل العظيم جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود من أجل مساعدة الاقتصاد المصري على التغلب على الصعوبات التي يمر بها وعلى التشدد الذي مارسه صندوق النقد الدولي ضده.
لنتأمل صور ومفردات القادة الخليجيين وهم يعلنون أمام حشد كبير من دول العالم أن مصر ليست وحدها وأنهم مصرون على أن يستعيد الاقتصاد المصري عافيته.
هذا الإصرار هو إصرار على رفض المؤامرة التي تستهدف الأمة كلها وليس دولة أو دولتين فيها، وسوف تبقى الأمة ما بقي هذا الصمود وهذا الوعي إن شاء الله.