بثينه خليفه قاسم
25 أكتوبر 2020
لماذا كل هذه الضجة في السودان؟
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وما صاحب ذلك من لغط ربط ذلك الإعلان بالتطبيع مع إسرائيل، حدثت ضجة كبيرة ليس فقط في الداخل السوداني، حيث قامت أحزاب وشخصيات سودانية معينة برفض ما يسمى بالتطبيع مع إسرائيل، ولكن على مستوى الإعلام العربي والاعلام الناطق بالعربية خارج العالم العربي!
هذه الضجة بلا شك هي ضجة غريبة وتظهر القائمين عليها من هنا وهناك بمظهر المغيبين عن الواقع الذين يعيشون في عالم الحرب الباردة وعالم الستينيات من القرن الماضي ولا يرون ما الذي حدث في العالم العربي وما الذي حدث في العالم كله وما الذي حدث في السودان ولا يهمهم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوداني طوال سنوات مضت بسبب هذه الوصمة الظالمة وهي وصمة رعاية الإرهاب التي تسبب فيها نظام لفظه السودانيون وثاروا عليه وخلعوه.
القائمون على أمر السودان في هذه الأيام الصعبة، على قدر فهمي، استجابوا لتغيرات وأحداث قلبت الدنيا كلها رأسا على عقب وأرادوا مصلحة الشعب السوداني الذي لا يجب أن يعيش إلى الأبد في أزمات اقتصادية وفي عزلة عن العالم.
لم يكن أمام هؤلاء سوى أن يفكروا في مصلحة الشعب السوداني ومستقبله وفي ضرورة إيجاد مخرج من المآزق الكثيرة التي تمسك بتلابيبه في تلك اللحظة، فتعاملوا بالعقل وبالحسابات وبالواقعية ووضعوا الشعارات التي فائدة منها جانبا في عالم لا يحترم سوى المصالح.
التطبيع الذي ضاقت به صفحات الصحف العربية وغير العربية ليس أمرا مفروضا على الشعوب، ولكن اتفاقات المصالح والسعي لتوفير اللقمة للشعوب أمر يجوز للحكومات أن تقوم به حتى مع الدول التي لها مواقف عدائية تجاه دولهم.
هناك حكومات عربية عقدت الاتفاقيات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل وبقيت شعوبها بعيدة كل البعد عن التطبيع مع إسرائيل، وهناك دول كثيرة تكره الولايات المتحدة وترفض سياساتها وتدخلاتها في العالم، ولكنها تقيم معها العلاقات السياسية والاقتصادية،لأن السياسة هي فن الممكن، والممكن في هذه اللحظة التاريخيه بكل تعقيداتها لم تترك خيارا للمسئولين السودانيين سوى هذا الذي حدث.
الاتفاق السياسي مع إسرائيل لن يمحو السودان من الوجود، ولكن الانهيار الاقتصادي يلحق بالسودان كل ألوان الضرر ويهدد وحدة الدولة وبقاءها، والتطبيع الذي يتحدثون عنه هو إرادة شعب وليس فرضا عليه، والاتفاقات السياسية والاقتصادية بين دولة وأخرى ليست قرآنا ولكنها أمور يمكن إلغاؤها في أي لحظة، طالما سنحت الظروف وطالما كان ذلك تحت عنوان فن الممكن.